واجبات مدرسية "تفرغ جيوب الآباء وتقلق راحةً الأسرة"!

أمل الجهورية

لا يختلفُ اثنان على مستوى التطور المتسارع الذي تشهده العملية التربويّة والتعليمية في مدارسنا من أجل النهوض بمستوى ونوعية التعليم المقدم من خلال المناهج الحديثة، والأساليب التربوية القائمة على الارتقاء بمهارات المتعلم، وتطوير أدائه باستخدام مختلف المعطيات والوسائل؛ وصولاً إلى تعليم يواكب المرحلة، ويضع المتعلّم على النهج السليم، ولم تكن الواجبات المدرسيّة بمعزل عن ذلك التطور؛ كونها وسيلةً لتعزيز التعلم، وقياس نجاح العملية التعليمية، ويقصد بها هنا، الأعمال المتنوعة التي يُكلفُ بها المعلم طلابه لأدائها خارج الصف الدراسي، على أنّها مهمّات يطلب منهم إنجازها في غير ساعات الدوام المدرسي لتحقيق أهداف تعليمية؛ إلا أنّها ما لبثت أن تحوّلت إلى واقعٍ يثقل كاهل الأسرة ويقلق راحتها.

إنّ طرح هذا الموضوع يأتي متزامناً مع تصَاعدِ أصواتِ الضَجرِ من قبل كثير من الآباء والأمهات الذين أصبحوا ملزمين بأداء واجبات مدرسية شبه يومية عن أبنائهم إضافة أعباء أخرى كالمتابعة لأداء الأبناء، واستذكار الدروس معهم، وأقصد هنا "المشاريع" التي أصبحت تشكل اليوم موضة تعليمية، وعبئاَ على الكثير من الأسر التي تنادي بعدم جدواها التعليمي؛ كونها تسند للطالب من غير تخطيط ولا هدف واضح، ولا يكتسب منها معرفة جديدة بل تحال مهمة إنجازها إلى ولي الأمر في أغلب الأحيان.

وفي ظل غياب التخطيط المنهجي لأي عمل من الطبيعي أن يقابله ضياع في الجهد والوقت، وعدم تحقق الفائدة المرجوة وهذه النتيجة يتفق عليها اليوم أغلب أولياء الأمور إن لم يكن جميعهم؛ لأن الموضوع هنا يخضع للنسبة والتناسب مع اختلاف الظروف المادية للأسرة، ومستواها التعليمي، وحجم المسؤوليات الوالدين؛ والمستوى التحصيلي للطالب، الأمر الذي يجعل تكليف الطلاب بواجبات منزلية عملية "مشاريع" بصفة مستمرة يصعب تلبية متطلباتها المادية التي تثقل ميزانية الأسرة لاسيما إذا كان لديها عدد كبير من الأبناء في مراحل دراسية متقاربة، هذا إضافة إلى إلزاميّة الإنجاز الذي يضع الأم خاصة أمام مسؤوليات وضغوطات كثيرة من خلال قضاء أوقات طويلة لإنجاز مشاريع الأبناء التي قد تفوق مستوى قدرتهم على القيام بها، وقد يكون حرصاً من الأم على توفير وقت للأبناء لإنجاز واجبات أهم ترتبط بجوانب الكتابة والحفظ والاستذكار، وهنا نلمس حجم الصراع الذي تعيشه الكثير من الأسر يومياً بسبب هذا الموضوع، وبعيداً عن الإرهاق المادي، وضياع الوقت والجهد تأتي قضية أهم وهي التأثير التربوي والنفسي للطالب والفائدة التعليمية التي يمكنه أن يتحصل عليها لحظة تسليم ذلك العمل، الذي قد لا يمثل لدى بعض المعلمين سوى تقييم عام يرتبط إنجازه برصد درجات، ولا يتجاوز كونه روتيناً لا يميز من خلاله العمل المجيد عن غيره، ويمكن أن يقدمه الجميع تحت ضغط الواجب المدرسي من غير أي جوانب تعليمية وتربوية يمكن أن يكتسبها الطالب، وتكون عاملاً معززاً له ولأسرته للقيام بها مستقبلاً بعيداًعن حدود الإلزام بالشيء.

إنّ عدم الرضا عن هذا النوع من الواجبات المدرسية يرجعنا إلى ذات الدائرة المغلقة حول مدى جدوى الواجبات المدرسية منذ سنوات طويلة والتي ظلت بين مؤيد ومعارض لأهميّتها وفائدتها للطالب، ومن أجلها أجريت العديد من الدراسات والبحوث لتحديد الموقف حولها، حيث جمع أستاذ التربية النيوزيلندي جون هاتي نتائج أكثر من 50 ألف دراسة شملت ما يزيد على 80 مليون تلميذ، في محاولة للتعرف على أفضل الطرق التعليمية التي تحقق أقصى استفادة لهم، وخلص هاتي، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية، إلى وجود مجموعة من العوامل التي تؤدي لنجاح العملية التعليمية، ومن بينها وجود علاقة جيدة بين الأستاذ والتلميذ، بالإضافة إلى اتباع تقنيات تعليمية معينة منها القراءة المتكررة، أمّا الواجبات المدرسيّة، فجاءت في ذيل قائمة هاتي، الذي رأى أنّها تساعد التلميذ في العملية التعليمية بنسبة ضئيلة للغاية. وبشكل عام، تختلف نتائج الدراسات حول جدوى الواجبات المدرسية باختلاف المرحلة العمرية للطالب ومستواه الدراسي والمادة الدراسية ونوعية الواجبات المدرسية نفسها. وأظهرت نتائج الدراسات أنّ الطلبة الأكبر عمراً والأعلى في المستوى الدراسي هم الأكثر استفادة من الواجبات المنزلية مقارنة بتلاميذ المرحلة الابتدائية والطلبة ضعاف المستوى، وحول إمكانيّة تطوير نظام الواجبات المدرسية ليصبح مفيداً لجميع فئات الطلبة حاول باحثون في معد هيكتور للأبحاث التعليمية بجامعة توبنغن الألمانية القيام بعمل بحثي ركز في الأساس على المدة التي يحتاجها التلميذ لأداء الواجب المدرسي. وخلص الباحثون إلى أنّ الحافز الداخلي لدى الطالب، ودرجة اجتهاده هي التي تحدد معدل استفادته من الواجب المدرسي. كما تحدد درجة اهتمام التلميذ بالتعليم وبالمادة الدراسية الفترة التي يحتاجها لأداء الواجب وأيضاً درجة الاستفادة.

وخلص الباحثون إلى أهميّة معرفة مستوى الطالب الدراسي وما إذا كان من النوع المجتهد أو المتوسط أم من نوعية الطلبة التي لا تبحث عن أكثر من مجرد النجاح في الاختبار بأقل الدرجات وبالتالي لا تبحث عن ميزة إضافية من خلال الواجبات المدرسية. وتحتاج هذه الفئة الأخيرة لتحفيز خاص عند أداء الواجبات المدرسية لإضفاء عنصر الاستمتاع على الأمر دون التركيز على الحلول النهائية للواجبات؛ وما إذا كانت صحيحة أم خاطئة، وحذر الباحثون من قيام الآباء والأمهات بأداء الواجب المدرسي نيابة عن أبنائهم، لأنّ هذا لا يؤدي في أغلب الأحيان لتحفيز الطالب أو تحقيق النجاح المطلوب، بل العكس، وفقاً لتقرير "دي فيلت"، كما أشارت نتائج تلك الدراسات أنّ أنجح صور الواجبات المدرسية هي تلك التي تعتمد على مبدأ "تعلم أن تتعلم" وذلك من خلال تعليم وتدريب الطفل على وضع أهداف طموحة ومحاولة إنجازها خلال فترة زمنية محددة، مع التأكيد على وجود مكافأة في النهاية حال تحقيق النتيجة المرجوة.

إنّ النتيجة التي أظهرتها تلك الدراسات العلمية جاءت متقاربة مع الفكرة المطروحة حول واقع تطبيق المشاريع كواجبات منزلية في مدارسنا، والتي لم تحقق أهدافها الحقيقية إلا على نسبة ضئيلة من الطلاب، ولم تخرج من كونها عبئاً مادياَ ومعنويا على الأسرة، وعلى المعلم أيضاً في كثير من الأحيان، الأمر الذي يستوجب معه مراعاة البعد التربوي من هذا الموضوع ويحتم على المدارس عموماً، والمعلمين بشكل خاص وضع استراتيجية واضحة المعالم لهذا النوع من الواجبات، من حيث الحجم، والنوع، ومستوى المتابعة؛ ليحقق أهدافه، ويضيف للطالب مهارة جديدة، ومعارف علمية، وخاصة إذا ما أجمعنا على أهميّتها كونها عملية تقييم لابد منها؛ إلا أنّها بحاجة إلى تأطيرها ضمن رؤية واضحة تستطيع معها مدارسنا تحقيق أهداف متكاملة تخدم جميع أطراف العملية التعليمية (المدرسة - الطالب - الأسرة)، وتعمل نتائجها على الارتقاء بالجانب الفكري والمهاري لدى الطالب بعيداً عن استنزاف جيوب الآباء، وإرهاق راحة الأمهات.

Amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك