2016 عام الصدمة.. قراءة في انصرام الربع الأول

د.عبدالله باحجاج

نطلق تسمية عام الصدمة على 2016، بسبب الانهيار الفجائي المخيف لأسعار النفط، وعموميّته على كل الدول النفطية، بما فيها بلادنا، وانعكاسات ذلك سلبًا على موازنة هذا العام، ومنذ سبعة أيام، تجاوزت بلادنا الربع الأول من هذا العام، ودخلت الربع الثاني، فكيف كانت تداعياته الاجتماعية؟ وكيف سيكون الربع الثاني منه بعد أن كشفت الحكومة خلال الربع الأول جزءًا مهما من سياساتها وإجراءاتها لمواجهة انهيار أسعار النفط؟ ومن خلال هذا الانكشاف، وماهيته وتطبيقاته، يحتم علينا طرح التساؤلين التاليين: كيف ينبغي التعامل مع الديموغرافيّة العمانية - السكان - في الأزمات المالية الكبيرة؟ وإلى أي مدى يتم مراعاة الخصائص السكانية، وبالذات، من حيث مكونات النمو ومستوى الدخل والأعمار، والجنس وعدد الأطفال ونسب الأمراض؟

وهنا ينبغي عدم إسقاط كذلك خاصية الشباب التي يتميز بها المجتمع العماني، حيث تبلغ نسبة السكان أقل من 15 سنة حوالي 22% و47% من السكان في العمر من 15 إلى 34 سنة و28% في العمر من 35 إلى 64 سنة و3% فقط في عمر 65 فأعلى، فهذه الخاصية لوحدها تستلزم العمل بذكاء داخل المنطقة الاجتماعية، وبحساسية كبيرة، لماذا؟ لأنّها تمس ركنا دستوريا / قانونيا من أهم أركان الدولة، وهو السكان، إذن، كيف يبدو مشهدنا الاجتماعي بعد تجربة الربع الأول من عام الصدمة؟ من المعلوم أنّ الحالة النفسية العامة للدول النفطية لم تعد الآن متشائمة بصورة خالصة كما كانت في الربع الأول، وإنّما يسودها التفاؤل والاطمئنان النسبي بعد أن ارتفعت الأسعار إلى ما فوق (40) دولارا للبرميل، ولم تهبط إلى ما كانت تخشاه في الربع الأول، وهو (20) دولارا، ويزداد هذا التفاؤل بعد أن وافقت (15) دولة نفطية من خارج وداخل الاوبك لحضور اجتماع الدوحة الطارئ لتثبيت الإنتاج عند مستويات يناير عام 2016، ولا نعتقد أنّ المعضلة الإيرانية الرافضة للانضمام لتلك الدول إلا بعد أن تستعيد إنتاجها السابق وهو أربعة ملايين برميل يوميا، سوف تقف حجر عثرة أمام الاتفاق المنشود، وبالتالي، فإنّ الربع الثاني سيكون مختلفا عن نظيره الأول - نفسياً وماليًا - فهل هذا التفاؤل سينعكس إيجابا على إجراءات حكومتنا خاصة تلك التي تمس المنطقة الاجتماعية؟ قراءتنا للوضع الداخلي تشير إلى أنّ الحكومة تمضي قدمًا في تصعيد إجراءاتها المبرمجة والمخططة مسبقا مهما كان تطور أسعار النفط، لأنها ومعها كذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي تتخذ من الأزمة النفطيّة منطلقا بل مناسبة لإعادة هيكلة أسعار الخدمات العمومية وإصلاح منظومة الدعم المختلفة، وإيجاد مصدر دخل جديد من الضرائب وذلك لرؤية بعيدة المدى من المنظور الاقتصادي، لكن إذا استدعينا المنظور الاجتماعي، فإننا سوف نجده أكبر المتضررين في هذا الربع، فقد تمّ تعطيل تطوره عبر وقف حقوق الترقيات والتوظيف ووقف العمل بالنظام الجديد لتوحيد ومساواة صناديق التقاعد ووقف برامج الإسكان الاجتماعي التي تشكل أحد أبرز ملامح الجوانب الإنسانيّة لمسيرتنا المباركة، وكذلك تحرير أسعار الطاقة بحيث وصلت أعلى الزيادة فيه الآن إلى ريال عماني، كما ارتفعت العديد من الرسوم والضرائب التي تمس مباشرة المجتمع.. إلخ وتلكم لم تكن سوى حزمة أولى سوف تتبعها حزمات أخرى بصورة تصاعديّة.. وهذا كله يحدث تحت شعار عدم المساس بالمرتبات التي يعتبرها إحدى كبار المسؤولين خطًا أحمر، صحيح هي لم تمس انخفاضًا، لكن كل الإجراءات والزيادات التي تحدث من حولها، تهز أركانها وتفقد وسائل مقاوماتها، وهنا ينبغي أن ندق ناقوس الخطر عاليًا، ونلفت الانتباه إلى خطورة الإشكال الذي نتوقعه قريبًا، ونرى من الضرورة العاجلة الانفتاح الإيجابي على قضايا الترقيات والتوظيف ... وعدم تنصل الحكومة عن سياسة الحماية المجتمعية.. في ظل الأزمات.. إلخ لأنّها بذلك ستفقد المجتمع، وستجعله ضعيفًا، سهل الاختراق، وسهل الوقوع.. فكيف إذا ما استجدت موجة غلاء على سلة غذائه بعد أن رفعت الحكومة الحظر على ارتفاع مواد أساسية تحت مبررات الاقتصاد الحر، لكنه هدفه غل يد هيئة حماية المستهلك، هل لنا أن نتصور مشهدنا الاجتماعي إذا ما عجزت مرتبات الطبقتين المتوسطة والضعيفة من الوفاء بأساسياتها الحياتية؟ وحتى لو لم تنشأ موجة غلاء غذائية، فإنّ الوقف الطويل للترقيات والتوظيف وتحسين الأوضاع الاجتماعيّة.. سوف تفقد الأمل والتفاؤل في النفسيات الاجتماعية لتلك الشرائح الاجتماعية، والتي أغلبها كما أكدنا بالأرقام،، شابة، إذن، من الأهمية القصوى عدم المساس بمنظومة الولاء والانتماء للطبقتين المتوسطة والصغيرة في مرحلة الأزمات، وهي منظومة تم تأسيسها خلال العقود الماضية ببرامج تنموية وحقوق أساسية وسياسات حمائية عديدة، وحتى لما وقعت أحداث عام 2011، ظلت هذه المنظومة مُقدّسة، وقد ازدادت قوة وحصانة بعد أن تناغمت قيادتنا السياسية مع مطالب وحقوق الشباب، وهذا لا يعني أننا لا نسلم بفكرة إعادة الهيكلة والإصلاح ورفع فرض ضرائب جديدة. بل إننا نعتبره ضروريًا لكن وفق رؤية وطنية تحافظ على قوتنا الاجتماعيّة عبر العمل على إزالة بعض الأعباء المثقلة على موازنة الدولة مع تحمل بعض الأعباء الجديدة على القوى الاقتصادية كتضامن مع الحكومة والمجتمع من جهة وكرد الجميل للوطن الذي منحها كل شيء بالمجان حتى أصبحت اليوم قوى اقتصادية كبيرة، لن ينقص من خيراتها مثقال ذرة لو تضامنت طواعية في هذه المرحلة الوطنية على عكس لو فقدنا التوازن الاجتماعي، كما أنّ الحكومة لن تقنع المجتمع لو أنّها استمرت في تعطيل تلك الحقوق خلال الربع الثاني واصلت في الوقت نفسه زيادة الأعباء المالية عليه، وهي لم تقدم له النموذج الأمثل في التضحية، فكيف تقنع المجتمع، والندوات الضرورية وغير الضرورية مستمرة وتستنزف موارد مالية كبيرة؟ كيف تقنعه، واستمرار سياسة التكاليف الوظيفية في كل وحداتها مع إعطاء كل مسؤول فوق مرتباتهم (15%- 25%) من مرتباتهم الأساسية؟ كيف تقنعهم وهي لم تمس إيجاراتها للعقارات والعمارات التي تكلفها شهريا الملاين؟ كيف تقنعهم، وجهازها البيروقراطي متعدد ومتضارب ومتصارع، وثقيل جدًا ويسحب من موازنة الدولة كذلك الملايين؟

وللموضوع تتمة..

تعليق عبر الفيس بوك