مسقط عاصمة السلام

حميد السعيدي

العُمانيون يكرهون الحرب أينما ظهرت؛ فهم يعشقون السلام، والحرية، والاستقلال، ويحبون الصمت، من أراد أن يفك هذه الشفرة وهذا الشموخ عليه بقراءة تاريخهم، ليدرك أنّ هذا الهدوء هو نابع من قوة عظيمة في ذاتهم، هذه القوة متى ما أرادوا استعادتها سيشعلون فتيلها ولكنه فتيل السلام، فالعُمانيون لم يكتبوا تاريخهم جيدا، ولم يرغبوا في إعلام الآخرين به، ولا يمتلكون ذلك الإعلام المرئي الذي يبهر العالم ويصنع من -الحبة قبة- لكن العالم ينظر لإنجازاتهم العظيمة التي تتحدث عن نفسها، واليوم العُمانيون يحققون الإنجازات تلو الأخرى، ويسعون لنشر السلام مثل ما فعلوا سابقا ليعم الأمن والاستقرار بالمنطقة، وعندما نعود قليلاً لقراءة التاريخ في فترة القرن السابع عشر الميلادي نجد أن هناك صراعاً كان في منطقة المحيط الهندي وذلك لأهميتها في مجال التجارة العالمية مما دفع العديد من القوى العالمية الراغبة في التحكم في سواحل المحيط عامة، فسعت إلى احتلال أجزاء كبيرة من المنطقة استعبدت فيها الشعوب وأصبح الإنسان سلعة تباع وتشترى، لكن صمت العُمانيين لم يطل كثيراً فقد أشعلوا رغبتهم في تحقيق السلام، وأصبحوا سادة المحيط الهندي، ونشروا السلام والطمأنينة للشعوب عامة بدءا من سواحل شرقي أفريقيا وسواحل شبة القارة الهندية وسواحل منطقة الخليج العربي، فأصبحت السارية العُمانية صاحبة القرار والمتحكمة في أمن المنطقة، لذا أصبحت القوى العظمي تتودد لعُمان راغبة في الحصول على امتيازات تجارية في منطقة المحيط الهندي، لم يقتصر هذه الدور على نشر السلام فقط، وإنما تعدى ذلك إلى الاهتمام بتطوير الشعوب وتوفير مصادر العيش لها، فقد نشر العُمانيون السلام والإسلام، وساعدوا في انتشار التعليم كما اهتموا بتشجيع الشعوب على ممارسة الأنشطة الاقتصادية كالزراعة والتجارة والصناعة، هكذا أرادها العُمانيون فنصّبوا أنفسهم حكامًا على منطقة المحيط الهندي بإنجازاتهم الشرفيّة، واليوم يتولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد وخلفه العُمانيون في ذات النهج نشر السلام في المنطقة "إنّ سياستنا الخارجية معلومة للجميع فنحن دائما إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم وإلى التفاهم بين الحضارات" من خطاب جلالته عام 2002م، لذا فعُمان تتولى دورا عالمياً في معالجة القضايا السياسية الخارجية من خلال نظرتها المحايدة، واتخاذها للمواقف السياسية بحكمة دون التأثر بطرف آخر، ساعية إلى تحقيق التوافق القائم على المصالحة بين الدول، بالإضافة إلى مساهمتها في إيقاف حدوث أي صراعات مختلفة، في ضوء ما يشهده العالم من صراعات متعددة ما بين الدولية والصراعات الداخلية للدول المضطربة، انطلاقا من إيمانها أن الصراعات والحروب لا منتصر فيها فالجميع يخسر كل شيء، فأصبح العالم يبحث عن مخرج لذلك النفق المظلم الذي يخيّم على السلام العالمي، ونتيجة لهذا النجاح الذي حققته السياسة الخارجية العُمانية في تحقيق الأمن، بل والمبادرة في التواجد العُماني في معالجة القضايا الدولية المؤثر على المنطقة رغبة منها في سيادة الأمن والاستقرار بما يحقق طموحات الأمم والشعوب، هذا كان الإنجاز الذي دفع العديد من الساسة والمسؤولين للتعبير عنه، فجاء تصريح الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية "إنّ مسقط هي عاصمة السلام، وأنّ كثيرًا من المشاكل الدولية يتم بحثها في السلطنة بهدوء وعمق وتجد هناك الكثير من الأذان الصاغية والحلول المبدعة، سبقه قبل ذلك تصريح جون كيري وزير الخارجية الأمريكية في 20 يونيو 2014، بقولة "إنّ جلالة سلطان عُمان قدم للولايات المتحدة مشورة ونصائح هامة كما ساعدنا في تمكيننا من القيام بأمور كانت بخلاف ذلك ستكون صعبة من ناحية التواصل مع شخصيات، وبناء تحالفات وائتلافات، وبصراحة، التعامل مع بعض مسائل الأمن الدولي الهامة والبالغة التعقيد، لهذا فإنّ عُمان تساهم في الحوار العالمي ونحن شاكرون لذلك."

واليوم تتهافت القوى العالمية إلى مسقط طلبًا منها في علاج العديد من الاضطرابات السائدة في العالم، وذلك نظرًا للثقة الكبيرة التي منحت لها، فالاتحاد الأوروبي يطلب من مسقط التدخل السلمي لعلاج قضيّة اليمن، وقبلها حقق جلالة السلطان قابوس بن سعيد إنجازا كبيراً عندما تمكن في صمت من إيقاف فتيل الحرب في المنطقة وينقذ الأبرياء من ويلاتها، فالصراع كان محتدما بين القوى العالميّة وإيران من جهة؛ فكان إنجازا أبهر العالم، واليوم الليبيّون يجتمعون في صلالة وقبلها السوريون قدموا إلى مسقط طلبا للمشورة.

فالعالم يثق في مسقط ويدرك جيدًا مدى مقدرتها ورغبتها في تحقيق السلام، وهذا نابع من السياسة الخارجية العُمانية التي تميزت على مر العصور بالحيادية في جميع المواقف والصراعات العالمية، وذلك نابع من أهدافها السامية ورؤيتها للتعايش السلمي لجميع شعوب العالم بعيداً عن المصالح السياسية والاقتصادية التي تعد سببا رئيسيا في كل الصراعات، فبناء الثقة بين الشعوب، والاهتمام بتأكيد أواصر الصداقة مع دول العالم، وخلق التفاهم الواعي والتعاون البناء من أجل انتصار الأمن والسلام هي المبادئ الأساسية التي نادى بها جلالة السلطان منذ توليه الحكم في عُمان، وهذا النِهج العُماني كان له تأثير في علاقات عُمان بمحيط جوارها والذي انطلق من سياسة الثقة المتبادلة بين الأطراف؛ فبالرغم مما تعرضت له المنطقة من أحداث كبيرة ظلت العلاقات قائمة بين عُمان والدول المجاورة لها، وهنا تترسخ معاني ومبادئ وقيم السلام، لذا يأتي تصريح وزير الدفاع البريطاني مثمناً لهذه الجهود "السلطنة صانعة للسلام ونثمن دور جلالة السلطان في دعم استقرار المنطقة"، فعُمان ليست كغيرها، ومن يستمع لهذا الصمت عليه أن يحكم على إنجازاتها، فهذا الشعب يتبنى تلك المبادئ السامية فلا تشاهد اختلافا بين العُمانيين في نمط حوارهم واحترامهم للآخر.. فأي تاريخ أنتم فخورون به أيّها العُمانيون، وأي حاضر يؤكد ذلك الفخر!! فبوركت عُمان بهذا القائد العظيم، وبورك بشعبٍ يُحبه.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك