إلى روح أمي الطاهرة

خالد الخوالدي

منذ سنوات بدأت أشق طريقي في الكتابة، وطرحت العديد من المواضيع الخاصة بالأسرة والمجتمع، وقليل من السياسة والاقتصاد، وأسهبت في الكتابة عمَّا يتطلع إليه المواطن في دولة المؤسسات والقانون والعقبات، والتحديات التي تقف حجر عثرة في تحقيق الاستفادة القصوى من الخدمات المؤسساتية في الدولة. ورغم تعودي أن أكتب فيما أشاء، إلا أنني كلما أردت أن أكتب عن أمي الغالية، وأبعث لها برسالة شوق وحنين وحب، توقفت ولم أستطع، وتبدأ الدموع تُزِيل ما كتبته، وتكون عائقا، وأمسح ما كتبت. وتحدثني نفسي أنَّ الحروف لا تفي حقها، وأن ألم فراقها لا يمكن أن يُعبَّر عنه في سطور ولا كتب ولا مجلدات.

وألم الفراق عندما يتجرعه أي واحد منا يكون صعبا ومؤلما، فكيف إذا كان هذا الفراق هو فراق القلب والنفس والروح والكيان بكل مكنوناته (فراق الأم).. إنه بلا شك يكون فراقًا مختلفًا يُشعرك بأن الحياة لا معنى لها، وأن عقارب الساعة تدور في عكس دورانها؛ حيث ترجع الساعات والأيام والذكرى لها وحدها، رغم وجود من حولنا من الزوجات والأولاد والأصدقاء والخلان، ورغم اشتغالنا بالحياة، وإيماننا باستمرارها، إلا أنَّ الشوق والحنين يأبى أن يُفارقنا وجه الحبيبة والعشيقة الأبدية التي لا يضاهيها أي مخلوق في الدنيا مهما علا شأنه وارتفع.

تمضي السنوات على فراقها، وأحاول أن أعبِّر عن هذا الفراق فلا أستطع، وأستجمع كل الحروف التي تعلمتها والكلمات الجميلة التي مرَّت عليَّ حتى أصيغها في جمل مفيدة تعبر عمَّا بداخلي من حب وشوق، فلا تخرج، وكأني ما تعلمت ولا درست ولا كتبت، وأخاطب هذه الحروف مُستنجدا ومتوسلا أن تطيعني هذه المرة، وتعبِّر ولو عن النزر القليل عمَّا في قلبي فترفض رفضا قاطعا.. قائلة: "أمك الحبيبة فوق كل الحروف، وأعلى من كل الكلمات".

أمي الحبيبة.. الكلمات تخونني وتعاندني، وأنا أتضور شوقا لحضنك الدافئ وكلماتك الجميلة، وأراك في عين كل أم تحنو على أطفالها وأولادها، وأراك في كل زاوية من زوايا حارتنا التي تحن إليك هي الأخرى شوقا لتمخري بابتسامتك وقلبك الرقيق الأبيض لتقضي ساعات مع صديقاتك اللائي رحلن عن هذه الدنيا دون أن يشبعن من نظرة وجهك المنير، ومن بقى منهن على قيد الحياة -وأدعو ربي ان يحفظهن ويطيل في أعمارهن، ويمنحهن الصحة- يتذكرن روحك النقية الخالية من الحسد والحقد المتعالية بالنقاء والصفاء وكأنها روح ملائكية طاهرة.

أمي الغالية.. لو خُيِّرت بين أن أعيش سنوات طويلة في هذه الحياة، وبين أن أكون معك، لاخترت قربك دون تفكير؛ فقلبك لي وطن يحميني من كل شيء، وأعيش فيه بسلام.. فهذه الحياة بكل ما نملك سوداء قاتمة، لا حياة، ولا نبض فيها يوازي نبض روحك ونقاوة سريرتك.

أعتذر لك يا أمي، فكلماتي قاصرة عندما يكون الحديث عنك، وأبشِّرك بأنك أنجبتي أبناء صالحين مُخلصين حُبًّا ووفاء لك حية وميتة، ويدعون لك ليلَ نهار بأن يرزقهم الله مجاورتك في الجنة.. فرَحِمَك الله برحمته الواسعة، وتغمَّد روحك في الفردوس الأعلى من الجنة.

ونصيحتي لكل أخ وأخت لا تزال أمه على قيد الحياة، أن يحفظها بعين الرعاية، ويلطف بها بكل ما أوتي من لطف وحنان، وعليه أن يطلب رضاها ليل ونهار؛ فهي أغلى النعم في هذه الحياة، ولا يُقدِّر قيمتها إلا من فقدها وفقد دعاءها وحبها، وعلينا جميعا أن نبتعد عن التفكير السائد في البلدان الأخرى حول الاحتفال بعيد الأم؛ فعيدها معنا كل يوم برضاها والاستئناس برؤيتها والحديث معها. وأبعث من هذا المنبر تحيَّة لكل الأمهات على ما يُقدِّمن من جهد وعرق وتضحية من أجل بناء إنسان صالح يعمر الأرض.. والله يُوفق أبناءكن في البر بكن على مدى الأيام والأزمان... ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmai.com

تعليق عبر الفيس بوك