مكتشفات تثري التاريخ

مدرين المكتوميّة

بذل قطاع التراث بوزارة التراث والثقافة جهودًا غير عادية في عمليّة التنقيب، والبحث عن الآثار للكشف عن المكتشفات الأثرية الغارقة في المياه العمانية قرب جزر الحلانيات، والتي يعود تاريخها لحطام سفن أسطول البحار البرتغالي فاسكو دي جاما الغارق عام 1503، وجاء الكشف العالمي تتويجًا لهذه الجهود التي تعد في حد ذاتها اكتشافا لقدرات عمانية لا تقل في مستواها عن أعلى القدرات العالمية، وهو ما ينبغي الكشف عن تفاصيله والإشادة به.

فقد تمّ تنفيذ المشروع على مراحل بدأت في عام 1998م بينما كانت الثانية في عام 2013م والثالثة في عام 2014م أمّا المرحلة الأخيرة فجرى تنفيذها في نهاية عام 2015م. وتأتي تلك الاكتشافات ضمن برنامج علمي لدراسة الآثار المغمورة بالمياه في السلطنة من خلال البحث والتوثيق لمواقع التراث الثقافي المغمور بالمياه في المياة الإقليميّة العمانية، حيث بلغ عدد المقتنيات ما يقارب من 2800 قطعة أثرية، كان من أهمها 12 عملة ذهبية بالإضافة إلى العديد من القذائف وجرس نحاسي يعود لإحدى السفن الغارقة والمسماه "إزميرالدا" والتي كانت تحت إمرة القبطان فيسنتي سودري.

وهذا الإنجاز يعد إضافة للتراث العالمي والحضارة الإنسانية ككل، وتكمن أهميّته كونه يتحدّث عن مرحلة كانت بداية التواصل الاجتماعي بين دول العالم بأكملها، حيث كان الناس يخرجون خارج الحدود لاكتشاف عوالم أخرى مجهولة بالنسبه إليهم، ويعد المشروع ذا أهمية كبيرة من بحيث إنّ هناك كوادر عمانية عملت جنبا إلى جنب مع البعثة الأجنبية المشتركة وقد أثبتوا كفاءتهم وقدرتهم على الرغم من محدودية عددهم، وهو خير دليل على أن قطاع التنقيب والبحث بمختلف طبيعته هناك من الكوادر العمانية التي سيكون لها مستقبلها في قيادة مثل هذه البعثات المتعلقة بالبحث عن التاريخ والمقتنيات المفقودة منذ الأزل.

وهذا الإنجار العماني يلفت إلى أهمية وجود استراتيجية شاملة تتكاتف خلالها جهود مختلف القطاعات والمؤسسات -وليس فقط وزارة التراث - لإعادة حماس الشباب العماني، خاصة الجيل الجديد، في البحث في جذورهم والتنقيب عن آثارهم والاهتمام بتاريخهم، خاصة أن مثل هذه المكتشفات تضيف لرصيد السلطنة الكثير، وتؤكد على الدور الذي تقوم به الوزارة من أجل الحفاظ على مثل هذه الآثار من النهب والضياع والاستيلاء.

وهؤلاء الشباب أمامهم الكثير والكثير ليعرفوه ويضيفوه لرصيد ثقافتهم عن التاريخ المجيد لعمان وبحارتها، خاصة وأن أبطال وملاحي عمان يعدون من رواد العالم في ركوب البحر ويذكر منهم الملاح أحمد بن ماجد الكشافة العظيم، سندباد البحار والذي يجب أن يعود للذاكرة من جديد من خلال الأجيال الجديدة لما كان يمثله من قوة وشجاعة في خوض غمار الصعاب مهما كانت، وكذلك ليترسخ في ذهن الأطفال أهمية العودة لتاريخهم بحماس يعزز انتماءهم لعماننا الحبيب.

وللاكتشافات الأثرية جانب آخر نحتاج أن نشجعه وهو تنمية السياحة الأثرية والتاريخية ليس فقط للأجانب ولكن أيضًا سياحة المواطن، وأتمنى لو تعد الهيئات والمؤسسات والوزارات والشركات رحلات لموظفيها للاطلاع على معالم البلاد وزيارة الأماكن والتعرّف على تاريخهم الحقيقي، إذا ما ربطنا ذلك بواقع أنّ العمانيين يتمتعون بحب السفر والمغامرة فإنّ الاستفادة ستتعاظم إذا ما شملت هذه السياحة أبوابًا لتوسيع آفاقهم ومداركهم في الاطلاع على التاريخ.

وفي نفس الوقت لا يمكننا إغفال تشجيع الشباب على اكتشاف الجديد من قدراتهم على الابتكار في المجالات المختلفة فليس لدى شباب المخترعين في العالم ما يفوق قدرات الشباب العماني، القادر دومًا على تفجير طاقات كامنة فقط إذا ما أعطي الفرصة.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك