هطلتْ الأمطار وتجمَّع الماء.. فأين التصريف؟

د. رضا بن عيسى اللواتي

أنْعَم الله -سبحانه وتعالى- علينا في الأيام الماضية، فهطل المطر غزيرا على معظم أرجاء السلطنة، كانت أمطارَ خير ونعمة عمَّت أنحاء البلاد، فارتفعت الأيدي شاكرة متضرعة إلى الله -سبحانه وتعالى- متنمية الخير والسلامة والأمن لهذا الوطن الغالي ولقائد هذه المسيرة المباركة وللشعب العُماني. لقد شكلت تلكم الأيام بما فيها من أمطار تحديات واسعة لبعض القطاعات في السلطنة، وقد أدوا ما عليهم من واجب بكل اقتدار، فمثلا نجد أن شرطة عمان السلطانية وفرق الإنقاذ والطوارئ التابعة لها، عملت بجد واجتهاد من أجل حماية المواطنين والمقيمين من جراء نزول الأودية، وما تسبِّبه من قطع الطرقات، وسقوط الصخور من أعالي الجبال، وقامت بعمليات إنقاذ كلما تلقت بلاغا حتى في مواقع الخطر. كما لا ننسى العاملين بالأرصاد الجوية الذين عملوا أيضا بكل احترافية ومهنية عالية من أجل وضع النقاط على الحروف وإيصال الصورة كما هي دون أي تشويش. وبالإضافة إلى هؤلاء، لا ننسى جهود الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون والإذاعات الخاصة الذين واكبوا الحدث لحظة بلحظة، ووضعوا المواطن والمقيم في الصورة على مدار الساعة، وغيرهم من الجهات التي ساهمت بشكل أو بآخر في التعامل مع هذه الظروف.

ولكن يحقُّ لنا كمواطنين ومقيمين على هذه الأرض الطيبة، وبعد أن انتهت الحالة الجوية التي مررنا بها، أن نتساءل عمَّا حدث في الطرقات والشوارع، والحواري والسكك، ألا وهي مسألة تجمع الماء فيها، لتتعطل حركة السير في بعض الطرقات، وتدخل المياه إلى البيوت في مناطق أخرى، وتنساب الأودية إلى بعض الأسواق التقليدية في بعض محافظات وولايات السلطنة، فتتعطل الحركة الشرائية فيها.

لقد رأينا جليًّا ما حدث في الأيام الماضية على شاشات التلفاز، ولم تخفِ الصور المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر، إضافة إلى ما رأيناه وعايناه بأم العين. حيث تجمعت المياه في بعض الطرقات مما تسبب بإغلاقها تماما نتيجة جريان وادٍ هنا، أو تكوُّن بِركة كبيرة من الماء هناك، أعاقت حركة السير، وبالتالي تسببت بازدحام شديد في الطرقات؛ الأمر الذي أدَّى لتأخر الموظف عن الوصول إلى عمله، ولك أن تحسب العدد الهائل من الساعات الضائعة، وما تليها من نتائج على الاقتصاد وعلى مدخوليات وأرباح الشركات سواء كانت حكومية أو خاصة، خصوصا في ظل انهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد.

هذا ليس نهاية المطاف، فمن يحاول من السائقين عبور الوادي أو عبور بِركة الماء المتجمعة، فإما أن تتعطل سيارته، فيقف على جانب الطريق لا يقدر على شيء، منتظرا وصول المساعدة، أو يستطيع عبورهما -إن كانت سيارته من نوع الدفع الرباعي- ولكنه بالتأكيد سوف يتأخر عن عمله فترة طويلة من الزمن.

وإضافة إلى ذلك، فإننا نرى بناء البيوت والبنايات السكنية على مجاري الأودية، ونتيجة لذلك تتجمع المياه في تلك المنطقة وتدخل البيوت المجاورة؛ فتُشكل بركا داخل المباني وخارجها أيضا، فيتعطل سُكانها، ولا يستطيعون حتى الخروج من منازلهم للقيام بأعمالهم الضرورية، وقد تتعطل سياراتهم أيضا وتَعطب. وقد شاهدنا ذلك في الحارات في العاصمة مسقط، وما لم نشاهده في المحافظات الأخرى أشد وأقسى من ذلك.

هذه الملاحظات دائما ما نشاهدها ونعاينها عند هطول الأمطار على السلطنة، في مختلف محافظاتها وولاياتها، ولكن لماذا يحدث ذلك؟ لماذا لا نشاهد سوء التصريف هذا وتجمعات المياه أمام المنازل وفي الطرقات في دول أخرى؟. لقد عشت في جمهورية ألمانيا الاتحادية مدة من الزمن، هطلت خلالها الأمطار واستمرت لأيام طويلة، حتى تخيلت ومن معي أننا سنظل حبيسي الدار إلى حين نهاية فترة الأمطار هذه بسبب تجمع المياه كما يحدث في السلطنة هنا، لكن ذلك لم يحدث أبداً؛ فالماء لا يتجمع، ولا تتشكل البرك والمستنقعات إلا في النادر، وفي الحقيقة لم أكن في عاصمة الجمهورية الألمانية، بل كنت في منطقة ريفية. لقد رأينا تصريفا رائعا لمياه الأمطار، ورأينا تصميما جميلا للشوارع فيها؛ فالتصميم والتصريف لا يتيحان للمياه فرصة للتجمع وتكوين البرك، فأولا تذهب المياه إلى جانبي الشارع، وهناك تنزل المياه في قنوات تصريف معدة لذلك.

حسنا.. قد يقول قائل بأنَّ ألمانيا دولة أوروبية متطورة، ومن الطبيعي أن نشاهد فيها هذ التطور، فلا يمكننا المقارنة بين ألمانيا والسلطنة. فماذا عن ماليزيا؟ ماليزيا دولة آسيوية، تهطل فيها الأمطار بشكل شبه دائم، وأكثر غزارة من الأمطار التي تهطل في السلطنة، ولكن لا تُشل حركة المرور بسبب مياه الأمطار، ولا تتجمع المياه أمام البنايات والمباني السكنية أو التجارية، ولا تتعطل الأعمال أبدا. وقد كنت شاهدا على ذلك أيضا، فلا يوجد مجال لتجمع المياه في الشارع، وهذه من حسنات تصميم الشوارع في هذا البلد، إضافة إلى نظام التصريف.

لننتقل إلى دولة ثالثة، وهي جمهورية الهند، والتي يقطنها أكثر من مليار نسمة، وتُعدُّ شوارعها الأقدم تصميمًا، وربما منذ زمن الاستعمار البريطاني. هل لكم أن تتخيلوا كمية الأمطار التي تهطل عليها على مدار السنة! ولكم كذلك أن تتخيلوا أن أنظمة تصريف المياه تعمل فيها بشكل ممتاز بحيث لا تتجمع المياه في الطرقات لتشكل عائقا أمام حركة السير في البلاد أبدا! حتى أخبرني أحد أساتذتي في الجامعة متعجبا: "دولة مثل السلطنة لا تمتلك نظاما لتصريف مياه الأمطار، وتتجمع في طرقاتها وأمام المنازل مياه كثيرة تعيق الحركة، بينما لا يحدث هذا في الهند!!". وأترك للقارئ الكريم حرية المقارنة.

لم أقل هذا الكلام، ولم أجرِ هذه المقارنات إلا من باب حرصي على مصلحة هذا الوطن ومصلحة المواطن والمقيم على أراضيه. فالمظهر العام للطرقات والمنازل والأسواق مهم جدا، وكذلك لكي لا يتحول المطر نقمة علينا بدلًا من أن يكون نعمة. وقد رأينا جهود القطاعات المسؤولة لإزالة المياه المتجمعة في الطرقات والشوارع بعد هطول المطر، وتنظيف المياه من الأتربة والحصي والأحجار وما خلفه الوادي عند مروره. ولكن ألم نتعلم بعد من المثل القائل: "الوقاية خير من العلاج"؟ ألم نتعلم ونستفد من التجارب الماضية؟ وهل علينا في كل مرة يهطل فيها المطر على بلادنا الغالية أن نتأسف ونتحسر ونشاهد مياه الوادي تستبيح منازلنا، وأن نشاهد الشلل التام في حركة السير جراء نزول وادٍ هنا، أو تجمع كبير لمياه المطر هناك؟!!!

أتمنى من المسؤولين الكرام، وممن يريد الرقي بهذا الوطن العزيز الغالي، الذي لم يتوانَ لحظة عن إعطائنا خيراته الكثيرة، أن يهتموا قليلا بأمر تصريف المياه، وأن يستفيدوا من تجارب الدول الأخرى في أنظمة تصريف المياه بعد هطول الأمطار، فلا ندري متى يكون الموعد القادم لهطول أمطار الرحمة والخير على بلادنا العزيزة عُمان، خاصة وأن التغييرات المناخية التي يشهدها العالم تُبشر بهطول الأمطار على بلادنا العزيزة لفترات أكبر وبشكل متكرر أيضا.

allawati_143@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك