حتى إذا ولد الكاتب.. قتلناه

زينب الغريبية

شهد معرض الكتاب - وهو المناسبة الوحيدة التي يجتمع فيها الكتّاب مع الكتب- ظهور أسماء عديدة في عالم التأليف والكتابة في كافة المجالات، ومعظمهم من الأسماء الجديدة في هذا العالم، مشهد من أروع المشاهد عندما نشعر بأنّ التعليم بدأ يثمر في بلادنا، وبدأت المياه الراكدة في عالم الفكر والثقافة بالحركة، وهي بداية وانطلاقة رائعة تقودنا نحو إحياء ماضي أجدادنا العلماء بدلا مما يعرض دائمًا من التغنّي بالماضي، والفخر به دون العمل الجاد على إحيائه، كم كنت سعيدة بأن أسمع على مكبر الصوت (المايكرفون) مساء كل يوم من أيام المعرض العشرة بأسماء عمانيين يوقعون على إصداراتهم، حتى أنّ العرب والأجانب يسمعون بأنّ عمان بها من يكتب ويقدم علمه للآخرين، وأننا قد بدأنا بإعادة التاريخ فنحن من سلالة العلم وسنبقى هكذا..

ما آلمني في الموضوع بأن تأتي دعوات من هنا وهناك من عمانيين، ومنهم من هو أكاديمي قد يؤثر برأيه على رأي عامة قد لا يفهون الشيء الكثير ويستدلون برأيه على أنّه الصواب، بتحقير الكتّاب العمانيين، وأنّهم يُروِّجون لكتبهم، وأنّ الكتب المروَّج لها لا ترقى للمستوى المطلوب، أهذا هو تشجيع الكاتب العماني؟ هل نظل دائمًا تحت رحمة الخبير الأجنبي؟ واعتبار أنّ كتابه هو الأفضل؟ وما يحمل من خبرة هي الأفضل؟ وعلى استعداد أن نشيد بكتابات وخبرات أجانب دون النظر إلى ما تحمله، ونستقبل الوافد علينا من دول الجوار أو الدول الصديقة بالاحتفالات والمهرجانات، ونقيم لهم المحاضرات العامة ونقدس مؤلفاتهم حتى ولو كانوا أسماء غير معروفة على الساحة، فقط لأنّه أجنبي، وفي المقابل نبخس العماني في خبرته ومؤلفه على اعتبار أنّه لا يملك نفس المقدرة والخبرة، ألا نؤمن بأننا قادرون على تقديم ما قدمه العمانيون سابقا، لا سيما في عصر التطوّر في العلوم وأساليب التواصل والاتصال والتنقل؟ ألا يستطيع العماني تقديم ما يقدمه غيره يا ترى؟

أهكذا نعمل على تشجيع الفكر والثقافة في البلاد؟ إحدى اللجان المسؤولة عن الشباب كانت طيلة فترة معرض الكتاب تكرم الأموات في جلسات لهم، مع احترامنا وتقديرنا لإنجازهم، لكن نحن بذلك لم نخرج عما ألفناه من الدول العربية حين نتجاهل الحي وما يقدمه، ونعمل على الأخذ بيده، وندفع به للارتقاء باسم عمان في مجالات الثقافة والفكر، بل نكرم الميت، وعندما كان حيا تجاهلناه مثل غيره الأحياء حاليا، بل إن سلم الحي من التهجم عليه ومحاولة التقليل من شأن إنتاجه فهو في سلام، ألم يكن تجميع كل من كتب وعرض إنتاجه وتكريمهم من باب التشجيع أولى؟ ألم يكن دعم هؤلاء الكتّاب بشراء جزء من كتبهم ثمّ العمل على نشرها هو الأحرى؟ فما نزال ننكر الحي حتى يموت لنذكره بأنّه كان عالمًا ومؤلفًا رحمه الله.

ألم يكن بالجدير بالجمعيّة المختصة بجمع هؤلاء الكتّاب والتقاط صورة جماعية لهم، وتوزيع بطاقات أو شهادات شكر لهم، كونهم من المساهمين في الحركة الثقافية، وإثراء سوق الكتاب العماني بالمنتجات الجديدة، بدلا من الشعارات التي تطلق من أجل الفوز بالمناصب داخل الجمعية فقط، فكيف يكون التواصل مع جميع الكتاب والمثقفين ومد الجسور بينهم، وهم يمرون على الكاتب ينظرون إليه من الأعلى دون إلقاء التحيّة عليه، فلو تمكنوا من تطبيق الشعارات لبادر كل الكتاب بتشكيل تلك الجمعية فهي إذن فاعلة.

ألا يستحق الكاتب العماني أن تشكل له حاضنة تقوم باحتضان فكرته ومؤلفه، وإن كان لا يرقى نساعده على تطويره والرقي به، ونساعده على النشر والتوزيع والانتشار، فنحن بذلك قبل أن ندعم أشخاصًا نكون داعمين للحركة الثقافية في البلاد، نرقى بالفكر والعلم، ويحدث التقدم، فعندما أتت سياسات التقشّف بسبب الأزمة الاقتصادية التي نشرت غيومها على العالم ونحن من ضمنه، حظيت الثقافة ودعمها بالنصيب الأوفر من ذاك التقشف.

حينها لا يحتاج الكاتب العماني أكثر من أن يصبح اسمه في قائمة الكتّاب، وأن له بصمة في إثراء الثقافة المحلية، وأن يلقى كلمة تشجيع وفخر بما قدم وأنجز، لا أن يتهم بالركاكة جزافًا دون النظر إلى ما قدم من فكر وعلم، هذا التفكير الرجعي قد يودي بكثير من الأقلام الجديدة، التي تحمل الجيد والمثري، فلا يصمد الجميع أمام هذا التيار الجارف الذي ينتشي الهدم، بحكم البقاء لعدد قليل يتصدى للساحة الثقافية وكأنّها احتكار كغيرها من السلع المحتكرة في السوق، وعدم صمودها لا يعني ضعفها من الناحية الفكرية والثقافية، بقدر ما هو بعد عن المصاعب والمهاترات، للعيش بسلام.

ارحموا الكاتب العماني، وارفعوا له الراية البيضاء، فما هو إلا مُعبّر عن القلم العماني، وسفير للثقافة العمانية، ومسطر للوضع الحالي الذي سيبقى تاريخا للمستقبل، تفخر به الأجيال القادمة وتسير على هداه.

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك