متى تتوقَّف حروب الولاء المزيَّف؟

عبيدلي العبيدلي

تُركِّز وسائلُ الإعلام الغربية -وتنجرُّ وراءها نظيرتها العربية- على إبراز الجانب الإنساني في نتائج الحروب التي عرفتها المنطقة العربية خلال السنوات الخمس الماضية. يتصدَّر مشهد النازحين وظروفهم المعيشية القاسية صورة الحروب الحالية التي تدور رحاها في البلاد العربية. ومما لا شك فيه أنَّ ظروفا قاسية غير إنسانية يعيشها هؤلاء النازحون -سواء أولئك النازحين إلى مناطق داخل بلدانهم، أو تلك المجاورة- وأسوأ ظروفا منهم أولئك الذين أرغمتهم تداعيات تلك الحروب على البحث عن ملجأ آمن خارج المنطقة العربية، فوقعوا فريسة مافيات الاتجار بالبشر الدولية التي تُموِّل بعضها بعضُ الحكومات الغربية الضالعة، بشكل غير مباشر في تلك الحروب، والمستفيدة اقتصاديًّا وسياسيًّا من إفرازاتها، ودفع أولئك النازحين ثمنا باهظا وصل إلى فقدانهم حياتهم وحياة أسر كاملة مقابل تلك الرحلة إلى المجهول.

أرقامُ الفئة الأخيرة من هؤلاء النازحين ليست صغيرة، فوفقا لمصادر المفوضية الأوروبية بلغ "عدد النازحين السوريين المدوّنة أسماؤهم في لوائح (المفوّضية): 1.146.405 (ووصل) عدد النازحين الذين ينتظرون تسجيلهم في المفوّضية 12.590 (إحصاء 2014)". وحسب مصادر البنك الدولي وصلت كلفة "النازحين السوريين على لبنان: 7.5 مليارات دولار سنوياً".

هذه الصورة المأساوية التي يعيشها النازحون السوريون، تخفي وراءها صورة أسوا تكشف عن الخسائر الجسيمة التي تحملها الاقتصاد السوري جراء الحرب، التي وصلت إلى درجة العبثية، لكن رحاها لم تتوقف عن الدوران فوق الأراضي السورية، وانتشرت إلى دول عربية مجاورة لها.

وتكشف صورة "إنفوجرافيك" نشرها موقع روسيا اليوم الإلكتروني (RT)، بعضا من حقائق تلك الخسائر. فقد بلغت كلفة الحرب السورية ما يقارب الـ685 مليار دولار، ويُتوقَّع لها أنْ تصل إلى 1.7 تريليون دولار بحلول العام 2020، إذا استمرت الحرب على المنوال الذي هي عليه اليوم "تشير توقعات تقرير صادر عن مركز (فرونتيير إيكونوميكس للاستشارات) المعروف بمصداقيته، إلى أنَّ الكلفة ستصل إلى 1.3 تريليون دولار، إذا استمرت الحرب لعام 2020"، موزعة على النحو التالي: نحو 470 ألف قتيل بينهم 11 ألف طفل. وهذا يعني أن التدمير البشري لم يقف عن الحاضر، بل مسَّ بعُمق أجيال المستقبل، خاصة عندما وصل تقدير متوسط العمر في سوريا إلى 55.4 عاما أي بتراجع يصل إلى 15 عاما عن المعدل العمري السوري قبل اندلاع الحرب. وعلى المستوى التعليمي خسر التعليم ما مقداره 24.5 سنة دراسية لم يعد في الوسع تعويضها، مهما رصدت لها من مبالغ، وخصص لها من موارد. انخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في سوريا ما يقارب الـ45% عما كان مفترضا أن يكون لولا اندلاع الحرب.

وكما تقول توقعات البنك الدولي، فإنَّ "كلفة الأضرار المادية في ست مدن سورية بينها حمص وحلب، تتراوح بين 3.6 و4.5 مليار دولار".

هذه الأرقام تكشف الأكلاف المباشرة المحصورة في سوريا وحدها، لكن عندما نضيف إليها ما تتحمله الدول المجاورة -والغالبية منها عربية، كما هو معروف- تتضاعف الخسائر عشرات المرات. فوفقا لتقديرات نشرها البنك الدولي مؤخرا تبلغ "الكلفة الاقتصادية للحرب في سوريا وانعكاساتها على دول المنطقة نحو 35 مليار دولار. وتشمل هذه الكلفة خسائر الاقتصاد السوري وخمس دول مجاورة -هي: العراق ومصر ولبنان والأردن وتركيا- التي تأثرت بدرجات متفاوتة مباشرة من النزاع السوري الذي خلف نحو 260 ألف قتيل في خمس سنوات. ولا تشمل هذه الكلفة الموارد التي خصصتها الدول المجاورة لسوريا لتقديم الخدمات الأساسية للاجئين الذين تدفقوا خصوصاً على لبنان والأردن".

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنَّ هذه الأرقام لا تتناول اقتصاد الظل المخفي الذي نشأ على نحو مواز للاقتصاد السوري، والذي يشمل فيما يشمل اقتصاد الاتجار بالبشر، وما يرافقه من اقتصاد المخدرات واقتصادات أخرى، غالبا يصعب تقدير أحجامها في المراحل المبكرة من الحروب، لكنها تكشف عن أنيابها المدمرة في المراحل المتأخرة.

وإذا انتقلنا من سوريا إلى العراق، فسوف تزداد الصورة سوادا، حتى إذا استثنينا الكلفة المباشرة التي تكبدها العراق إثر الغزو الأمريكي لأراضيه. فوفقا لتقديرات بعض المراكز الدولية فاقت الكلفة الاقتصادية للحرب المندلعة فوق الأراضي العراقية "بعد مرور أربع سنوات من الحرب (الأمريكية على العراق) مبلغ 400 مليار دولار، بل (قدر أن تصل أكلافها) بنهاية عام 2007م إلى 500 مليار دولار، بما يزيد على إجمالي كلفة الحرب الكورية، وبما يوازي تقريبا كلفة 12 عاما من حرب فيتنام".

وفي دراسة أخرى أعدها اقتصاديون مشهود لهم بالمصداقية من بينهم حائز على جائزة نوبل من أمثال أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا جوزيف ستيغلتز "قدرت التكلفة الإجمالية للحرب في العراق بعد إضافة النفقات المستقبلية بـ2 تريليون دولار".

إحصائية يقول عنها صاحبها أحمد كميت "حقيقة لا أدرى هل هذه الأرقام صحيحه أو غير صحيحة"، لكن يمكن اعتبار ما جاء فيها كمؤشرات للقياس، حتى وإن لم تكن غير دقيقة. تتوزع أرقام أكلاف تلك الحروب على النحو التالي (الأرقام بالدولار الأمريكي):

- تكلفة الحرب العراقية-الإيرانية: 500 مليار تحملها العرب

- تحرير الكويت: 40 مليارًا.

- حرب العراق: 3.7 تريليون.

- حرب سوريا: 900 مليار.

- حرب ليبيا: 200 مليار .

- حرب اليمن: 50 مليارًا.

المجموع الكلي: خمسة تريليونات وأربعمائة مليار دولار.

بعد هذه الجردة السريعة التي ربما غاب عنها الكثير من الأرقام التي لم ترصد، يصر العرب على أن تكون بلادهم مسرحا لحروب ربما يخوضونها بالوكالة، فهي ليست ضد عدو خارجي يبررها، بل ضد بعضهم البعض، وعلى أراضيهم الداخلية، وبمواطنيهم الأصليين. فمتي يتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة الدائم على ترهات ولاء النفاق المزيف.

تعليق عبر الفيس بوك