بين النياشين ومخرطة الكوسا!

ابتهاج المسكريَّة

يقول برنارد شو "نحن نبني تماثيل للأشياء التي نفتقدها" هو على حق، ولا يهم شكل التمثال؛ فقد يكون "تمثالا زمنيا" يومًا نجمع عليه لنتشارك خسارة كبرى؛ ذلك أنَّ المشاعر أعتى من أن تتبناها عشيرة أو جماعة، فتقسَّم على البشرية جمعاء.

يَوْم المرأة العالمي الثامن من مارس، هذه المرأة التي ما عادت تدري أيَّ وجه ترتدي! وهل تستقبل التهاني أم العزاء في يومها هذا؟! فنحن كائنات مفروض عليها أن تترنح طيلة الوقت بين من يرى فيها كما كان لدى الإغريق والفراعنة قديسات، وبين من يؤمن أن دورها لا يعدو كونها آلة تفريخ، بَيْن من يُعرِّيها باسم "الحداثة" لأنها مُستقطب جيد للأموال والثروات، وبين من يسجنها ويقصيها باسم الدين لأنَّ الاستبداد والسلطوية لا يتحققان دون طرف أدنى يُمارَس عليه الاضطهاد، بين من يعلق على صدرها النياشين، وبين من ينتظر نزولها من المنصة لتتسلم مخرطة الكوسا!

ضِعْنا في كل هذه المتناقضات وضيَّعنا عدونا، هل هو المجتمع أم السياسة أم الرأسماليين أم المثقفين أم الرجال؟ وفي هذه الدوامة ولنتخلَّص من حيرتنا ولنتحرَّر من اللكمات المتكدسة في يدنا خرجنا بخلاصة "أن المرأة عدو المرأة"؛ ذلك أن أعداءنا كثر، مرئيون وغير مرئيين، معلومون ومجهولون، وهذا الغضب العارم يريد منفذا قبل أن نهدأ ونحب أصفادنا.

فبالرغم من كلِّ محاولاتكم المضنية في إشراكنا الصورة، وزجنا في بهوها لنبدو بجانبكم متساوين كي تعرضوها في متحف الحضارة لتعجب الزوار، محاولات فاشلة تُعرِّيها القوانين، كانت بعض القوانين في عهد حمورابي مقياسها الجيب، أن تكون ابن أحد الأشراف الأغنياء لا يتساوى الحكم عليك من أن تكون ابن فقير بائس، الموضوع لم يختلف كثيرا فقط تحرك بمقدار إنشين من الجيب، ونحن مع كل تمييز ضدنا نجرع كلمة "لا بأس"، ماذا يعني أنْ يطالبوننا بنسبة عظيمة في الثانوية العامة تخولنا لشغل مقعد بجانب الرجل الذي نجح بشق الأنفس، ليس لخلل في الدماغ معاذ الله، بل لأنَّ وسائل الترفيه والتسلية مُمهَّدة ومتاحة له أكثر منا، أمر عادي جدًّا و"لا بأس"، ماذا يعني حين تخلعين زيَّ التخرج وترتدين معطفَ العمل مُتأهِّبة للكدح أن يقف أمامك في كل عرض وظيفة رقم عملاق للعدد الذكور المطلوب، وفي الضفة الأخرى رقم ميكروسكوبي لا مرئي، عادي جدًّا و"لا بأس"، ولا بد من ذلك كي يتسنَّى للجنس الآخر التواجد على ساحة العلم والعمل، إن لم يكن بمؤهلاته فبوقوف القوانين بجانبه يدفعه دفعا، كل هذا ولا بأس في ذلك نبلعها مع لترات من الماء كي نتمكن من العيش بسلام، ما علينا سوى أن نقاتل بجهد مضاعف وذخيرة قانون أقل للفوز بمقعد دراسة أو وظيفة! هذا القانون أضحى أمرا طبيعيا في شتى مجالات الحياة، خذوا مثلا الترشح لعضوية المجالس البرلمانية، حين تقع المقارنة بين مرشحين من جنسين مختلفين، على المرأة حتى تقنع مجتمعها بكفاءتها ليس فقط أن تتساوى مع المنافس لها، ولا أن تتفوق عليه، بل شيء كاسح بمراحل شيء بوزن معجزة، أن تطير مثلا أو أن تعقد تحالفا مع النار فتمشي عليها دون أن تحترق، هذا لعمري قد لا يكفيهم! حتى لا أقلِّب الجراح المليئة بالقيح وأحمِّصها وأزيد من تهيُّجها أدعوكن جميعا للاحتفال بيومكن العالمي، متشابكات الأيدي على طريقة هاني شاكر "عيد ميلاد جرحي أنا".

وأخيرا...
إذا أردتم أن تحتفلوا بنا لا تهدونا وردًا، بل فكوا لنا قيدا.

e.k.a-00@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك