اللياقة الذهنية

المعتصم البوسعيدي

في ظل بحثنا الدائم عن الحلول لكل التحديات التي تواجهنا، نجد أمامنا خيارات كثيرة ليست -على كل حال- ناجعة بمجملها، لكن "التفتيش" والتجربة وإسقاطها على الواقع سيحكم مدى جدواها من عدمه.

الأمل يُمثل حالة نفسية -في وجهة نظري الشخصية- للخروج من متاهات وسوداوية الوضع الذي يعيشه الفرد والمجتمع على حد سواء، وصناعته -أي الأمل- في القالب المرضي يحتاج "لحرفنة"؛ فليس كل أمل حقيقة وليست كل حقيقة تحتاج لأمل واقعي، وأنيس منصور وضع عنوان "واحد عنده أمل" لأول باب من كتابه "اللعب غريزة منظمة" وذكر فيه ما يكتبه المفكرون والساسة في إسرائيل، معرجًا على الكاتب والمحلل الإسرائيلي ذي الأصول المصرية "فكتور نحمياس" الذي تطرق للسلام وسط كل الدماء والحروب مشيرًا إلى السبب بقوله: ".. فإننا بالعقل نقتل العقل والقلب والأمل" والعقل الإنساني يجب ان يُقيم التوازن على غرار ما تفعله بعض الكائنات رغم صعوبة مقاربة الأمر إلا من وجهة الكيان الصهيوني في "تشبيه الإبادة الجماعية بالإنتحار الجماعي لفئران النرويج عندما تتجه مئات الألوف منها إلى بحر الشمال مرة كل سنة، كما تفعل ذلك الطيور في مملكة نيبال عندما تلقي بنفسها في النار كل سنة"!!.

عمومًا "سنفتش" عن الأمل الذي وصلني هذا الأسبوع من المدرب الوطني أنور الحبسي مدرب نادي المضيبي عبر مقال جميل بعنوان "الإحتراق النفسي يغزو أنديتنا آسيويًا" رغم ظلمة ما جاء فيه من ناحية قراءة نتائج انديتنا في بطولة الإتحاد الآسيوي على مدار 13 عاما، ووضع وصف "الاحتراق" بديلاً عن الاحتراف في ظل ما يعيشه اللاعب من ظروف تجده يحترق سريعًا وتقل دوافعه لصناعة نفسه وإبراز موهبته والوصول بنجوميته لمستويات أعلى، إلا أن الحبسي توقف عند أمنية أن يحالف النجاح اللاعب للتغلبِ على الاحتراق، وعلى هذا سأنطلق من حيث ما انتهى إليه والخوض في أحد عوامل النجاح المتمثلة فيما يسمى "اللياقة الذهنية".

اللياقة الذهنية تُعرف بشكل عام بأنها "صحة وجودة الحالة العامة الذهنية للإنسان" وتشمل عدة جوانب وقدرات في التفكير والتحليل وإعمال العقل، ولضمان ديمومة العطاء الذاتي أو حتى المؤسسي يجب علينا مواجهة التحديات وتطوير بعض الجوانب وتعزيز بعضها شريطة إيجاد التوازن للحالة الذهنية، ولاعب كرة القدم في السلطنة مع الوضع الذي يعلمه الجميع إذا ما أراد تحقيق ذاته ونجوميته يجب أن يمتلك إلى جانب اللياقة البدنية اللياقة الذهنية، والثانية أهم من الأولى بمراحل كبيرة، وأولى الخطوات المهمة كما جاء في تحسين اللياقة الذهنية "إدراك الاحتياجات والتكيف مع الواقع والاعتراف حتى بالهزيمة في لحظاتها دون الركون إليها".

ومن كل هذه الخطوات، توقفت كثيرًا عند "ممارسة نشاط جديد وتجربة مثيرة للاهتمام" وعند تتبع بسيط لنجوم الرياضة العالميين تجد تلك الممارسات المختلفة داخل وخارج إطار شغفهم باللعبة، وسواء اتفقنا معها او اختلفنا تبقى الفكرة العامة لهذه الممارسات منطوية على تعزيز قدراتهم الذهنية، وليس ببعيد ما يقوم به النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يُعد -من وجهة نظري- أكثر لاعب يشتغل على لياقته الذهنية لكثرة الضغوطات والتحديات التي يمر بها وحتى تصريحه الأخير واعتزازه بنفسه بنوع من الأنانية التي لا نتفق معها، إلا أنَّ الأمر يقع في شخصية رونالدو وما يقوم به يعتبر ناجحًا لأبعد الحدود على المستوى الشخصي، والشواهد أثبتت تخطيه لحالات عصيبة وحفاظه على مردوده الفني بالأداء والأرقام التي يسجلها بين فترة وأخرى، علاوة على ممارساته خارج الإطار الرياضي خاصة المعنية بالجوانب الإنسانية.

الأمر ليس مجرد تنظير فقط؛ فهناك شواهد حتى من الملاعب المحلية والعربية؛ ذلك حين نشاهد علي الحبسي كأكثر لاعب عربي يستمر في الملاعب الأوروبية، ومن المعروف ما يقوم به الأمين خارج العشب الأخضر.. سلوكيات متزنة، اشتغال على الذات، الإفادة والاستفادة من الآخرين، وتسويق إعلامي جيد وأعني هنا تسويق نفسه بنفسه، كما يجب الوقوف كثيرًا عند نجم محمد أبو تريكة الذي لم أرَ لاعبًا يتفق عليه الجميع حتى منافسيه، ولعلنا نشاهد كيف لجماهير الفرق المنافسة إن تهتف باسمه وهو يلعب ضد فريقها -وربما يكون سبب خسارتها- احترامًا وتقديرًا لا تقليل من فرقِهم، وفي كل مرة يحاول البعض النيل من سمعته، تأتي مواقفه وسلوكياته كخير رد ينسف بها خيوط العنكبوت الواهنة، هذا ما حدث مؤخرًا أيضًا في حفل تكريم نجوم الرياضة بالجزائر؛ فمع قضيته الأخيرة وبعيدًا عنها، كانت "الجزائر" تقف "مصفقة" لأمير القلوب، لقد نجح هذا اللاعب بذهنه قبل بدنه ومهارته.

بالتأكيد أن الظروف تختلف ولا ينكر أحد مدى صعوبة الوضع الكروي المحلي، وتحمل الجميع مسؤوليتها، لكن ما عسانا أن نفعل سوى البحث عن الأمل وفي المساحات الواسعة للتفكير الإيجابي، وبالعودة لكتاب "اللعب غريزة منظمة" فقد كتب أنيس منصور تحت عنوان "ماذا نحن فاعلون؟" سؤالا مقتبسا للدكتور عصام شلتوت: هل تقدم الغرب أم تأخرت مصر؟! الإجابة المختصرة في تشبيه تعاملنا مع الأمور من خلال "نكتة" مصرية.. "إن رجلاً دخل السينما وكانت خالية تمامًا إلا من واحد يرتدي طربوشًا، فجلس وراءه وقال له: من فضلك تقلع الطربوش"!

تعليق عبر الفيس بوك