بين النقد البناء .. والشائعات الهدامة

حمود الطوقي

كتبت خلال السنوات الماضية سلسلة من المقالات تطرقت فيها إلى ضرورة الشفافية كقيمة مجتمعية، من شأنها كشف ومعالجة أيّ فساد قد يعتور مؤسساتنا، باختلاف أنماطه وطرقه، سواء كان فساداً إدارياً أو مالياً؛ ولم تكن تلك الكتابات إلا استلهامًا للفكر السامي لجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، الذي ما فتئ يدعو إلى مكافحة هذه الظاهرة، حداً من التفشي، ودرءاً لاستغلال أصحاب النفوذ مناصبهم لتحقيق مكاسب ذاتية بعيدة عن مصلحة الوطن؛ فجلالته - حفظه الله - قال في إحدى جلسات مجلس عُمان مخاطباً شريحة الموظفين: "وإذا أدى هؤلاء واجباتهم بأمانة، وبروح من المسؤولية، بعيدًا عن المصالح الشخصية، سعدوا وسعدت البلاد، أما إذا انحرفوا عن النهج القويم، واعتبروا الوظيفة وسيلة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلماً للنفوذ والسلطة، وتقاعسوا عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة، فإنّهم يكونون بذلك قد وقعوا في المحظور " .

سبق أن تطرقت أيضًا إلى مفهوم المدينة الفاضلة، ومن باب تطبيق الأمر عملياً أسست رابطة ذات صلة بهذا المسمى، حيث أطلقت عليها "رابطة عُمان المدينة الفاضلة"، وكنت أجزم أنّ المدينة الفاضلة التي أطلقها أفلاطون هي عُمان لا غيرها، لأنّ صفات هذه المدينة كلها تنطبق على أبناء هذا البلد، الذين يتصفون بالأخلاق الفاضلة والنبيلة.

لكن يبدو أنّ الأمر أضحى مختلفاً عمّا كنّا نحلم به ونصبو إليه، ومرد ذلك هو هذه الإشاعات الطائرة التي تملأ الأجواء، ومنها ما هو ضار بسمعة أبناء وطني الشرفاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية، والنابعة من ضعاف النفوس، ممن سولت لهم أنفسهم التزييف والكذب وإثارة الفتن، في مجتمع يتَّصف بتماسك نسيجه الاجتماعي؛ ولا يقف ضرر هذا الأمر وتلك الأقاويل المُغرضة عند مس كرامة الفرد؛ بل تطال آثارها السلبية المجتمع كله!.

لستُ هُنا في معرض الدِّفاع عن أحد، ولكن كلمة الحق لا بد من تُقال، فالقدح في أخلاقيات الناس واتهامهم بما ليس فيهم من دون تثبُت أو دليل قاطع، جريمة يُعاقب عليها القانون، والأجهزة القانونية وحدها هي المخولة بالتحقيق في الشبهات لإثبات ما إذا كانت صحيحة أو كاذبة.

علينا أن نستغل تلك الوسائط الإلكترونية والتقنيات الحديثة فيما ينفع المجتمع، وتوعية شبابنا بضرورة التحلي بالموضوعية والمنطق في الأطروحات، واحترام سيادة الدولة، وأن يتدبروا دائماً قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ".

ولهذا ينبغي علينا جميعاً ألا نلتفت إلى مثل هذه الشائعات، فهي من وسوسة الشيطان، وألا نعطي الفرصة لأحد ليعبث بمقدساتنا ومنجزاتنا وثوابتنا وأمننا، وأن نقف صفاً واحداً، ونشكر الله على نعمة الأمن والأمان، وأن نعمل بعيداً عن المحاباة والمحسوبية، وعلينا - كل في مجال عمله-، سواء كان موظفًا صغيرًا أو مسؤولاً كبيرًا - أن نحمل شعلة تُنير لنا الطريق الصحيح نحو حياة مُطمئنة، خالية من وباء الشائعات القاتل، الذي يطلق وينشر سمومه بين أفراد المجتمع، وأن نعي جيداً أن هناك فرقاً كبيراً بين النقد البناء والقذف؛ فالنقد هدفه الإصلاح، والقذف هدفه الهدم والتخريب.

أُناشد هنا جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، والأجهزة القضائية، إن كانت هناك قضايا فساد، أن تُفصح عنها بشفافية لا تضر بسير التقاضي أو التحقيق فيها، وقانوننا كفيل بمحاسبة من يثبت تورطه وفقاً لمبادئ العدل، التي تقتضي منّا عدم السماح لأيّ كان بالتطاول على النظام والقانون، أو التأثير بشكل غير مشروع على منافع النّاس التي كفلتها الدولة ومصالح المجتمع، التي ضمنها الشرع وأيدتها الأنظمة والقوانين..

ومن ثمّ فإننا نؤكد على أن تطبيق العدالة أمر لا مناص منه، وأن أجهزتنا الرقابية ساهرة على أداء مهماتها، والقيام بمسؤولياتها بما يحفظ مقدرات الوطن ويصون منجزاته .

وعلى وسائل الإعلام أن تقوم بدورها التنويري على أكمل وجه، عبر حملة تكثف من خلالها الرسائل التوعوية، وأن تكون جهودها مُكملةَ لجهود القضاء والأجهزة المعنية بمثل هذه القضايا، في التصدي لظاهرة الشائعات الهدامة، خاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الفضاء مفتوحاً على مصراعيه لكل من هبَّ ودبَّ.

تعليق عبر الفيس بوك