ما أروع السفر

ماجد بن إبراهيم الوهيبي

ما أصدق الإمام الشافعي حين قال:

تغرَّب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد

هذه الأبيات هي محور حديثنا في هذا المقال، وحقاً للسفر فوائد عديدة أجملها الشافعي في هذه الأبيات. والسفر يساهم في تفريج الهَّم بتغيير البيئة المعتادة والانطلاق إلى عوالم أخرى مختلفة في الطقس والأوجه والأمكنة والعادات والتقاليد، وكذلك رؤية إبداعات كثيرة من صُنع الخالق عزّ وجلّ ومن نتاج ما أودعه سبحانه وتعالى في عقل الإنسان من قدرات وطاقات ومواهب. التنقل إلى أماكن جديدة ومُختلفة يُساهم في تخليص الإنسان من تأثير الضغوطات اليومية التي يُعايشها من عمل والتزامات مختلفة مع الناس من حوله وكذلك تغيير مزاج الإنسان للأحسن ورفع معنوياته. والسفر فرصة للاستجمام والاسترخاء وإطلاق العنان للنفس للتفكر والتزود بفكر جديد بناء وفعّال يستطيع به مواصلة طريقه في هذه الحياة بمزيد من العطاء والبناء والإنتاجية الوفيرة.

إذا أردنا أن نكون دائماً في تجديد وعطاء فيجب إعطاء النفس وقتاً للراحة في مكان مختلف لفترة من الزمن حتى لو كانت قليلة.

اكتساب المعيشة من خلال السفر ظهر عبر التاريخ البشري بشتى أنواعه وصوره من خلال ذهاب الناس إلى أمصار مختلفة لسبر الفرص التجارية واستغلالها سواء بالمكوث في تلك البلدان لفترات طويلة من الزمن أو الإقامة القصيرة معدودة الأيام . وحققت هذه الأسفار الكثير من النفع على الفرد وبلده، ولا يزال السفر الوسيلة المُهمة والنافعة لجني الأرباح من خلال معرفة احتياجات الشعوب الأخرى لأنواع معينة من البضائع والمنتجات الاستهلاكية الضرورية التي قد لا تكون متوفرة وبأسعار مقبولة. وعلى المسافر أن ينتهز فرصة السفر لتحقيق الربح المادي وأن يستغل الأوقات للحصول على صفقات تجارية مُربحة.

ومنذ قديم الزمان يقطع طلاب العلم والعلماء والباحثين والمُتخصصين الآف الأميال من أجل الحصول على المعرفة وتحصيل العلم وكذلك نشره. العلم من أثمن ما يحصل عليه المُسافر أثناء تواجده في دول أخرى والسفر من أجل العلم، والدراسة في أرقى الجامعات والحصول على مستوى متطور من العلم والتقنية من أجل الرجوع بحصيلة علمية تعود على الفرد والمجتمع بالنفع الكبير. كثير من الدول تبتعث طلابها إلى بلدان يمكثون فيها سنيناً من أجل طلب العلم والمعالي.

والمُسافر بوجوده في بلدان أخرى يتمكن من كسب العلم من خلال الاندماج مع العلماء والمفكرين وبقية الطبقات المُتعلمة في تلك البلدان. والمسافر يحصل على العلم بشتى صورة من خلال كافة الوسائل المتوفرة برفع حصيلته من النظريات والمفاهيم والأفكار المطبقة عملياً في تلك البلدان.

ويقول الشافعي: لولا التغرب ما ارتقت درر البحور إلى النحور

وصحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لبَّوا نداء قائدهم عليه أفضل الصلاة والسلام وتغربوا عن مكة والمدينة المنورة، وذهبوا إلى أقاصي العالم لنشر دين الله وحمل راية الإسلام وتبليغ هذا الدين العظيم لجميع النّاس عربهم وعجمهم وتعليمهم أمور الدين كلها. ولا يزال الدعاة إلى الإسلام يجوبون أصقاع الأرض لتعليم النّاس الدين الإسلامي الحنيف والذي هو العلم الأجدر والأولى تعليمه من خلال السفر. والسلف الصالح تركوا ديارهم وتجارتهم من أجل طلب العلم من جهة ونشره من جهة أخرى، وبذلك انتشر وخلد ذكرهم على مر العصور والأزمان وتركوا إرثاً عظيمًا من الكتب القيمة والمبادئ والصفات الحميدة.

ويتعلم المسافر آداباً جديدة ويدرس سلوك الشعوب ليتمكن من التفاهم وتبادل الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الراقية ويتمكن من التعامل مع مختلف الشعوب بوعيٍّ وحكمة ويزيد التعارف والتقارب بين الشعوب.

والسفر يمنح المسافر فرصة كسب سلوكيات وتصرفات يومية إيجابية وفاعلة تزيد من إنتاجيته إذا رجع لبلده وأهله.

وإذا طلبت المعالي في السفر ورغبت في نشر الخير فعليك بالرفيق الصالح الذي يُعينك ويشد من أزرك في السفر ويُساعدك على الثبات على المبادئ والقيم الفاضلة وتتعلم منه ويتعلم منك أرقى أساليب التعامل والحكمة في التصرف ومعالجة الأمور وحل المعضلات بحكمة وروية ومعين في الشدائد والمحن.

لابد أن نُحسن النوايا في السفر وأن نتعلم من مدرسته شتى الفنون والآداب والعلوم والخبرات وأن نقتدي دائماً وأبداً بالسلف الصالح الذي جعل من السفر وسيلة للحصول على كل الفوائد سالفة الذكر.

لابد أن تكون لنا خُطة واضحة للسفر أثناء العام ونُحدِّد المقاصد السامية من السفر وأن نجعله فرصة لتصحيح المسار من فترة إلى أخرى ومن عام لآخر.

والسفر داخل البلاد يُحقق فوائد عديدة ويُساعد على تجديد النشاط والتعرف على ما يُميز بلادنا من معالم حضارية وتاريخية وسياحية ويُساعد على إيجاد علاقات طيبة بين أبناء الوطن.

ومن واقع تجربتي وتجارب الآخرين وجدت أنّ السفر مدرسة نتعلم منها الكثير وهي بجانب الكتاب والخبرة الحياتية ذخيرة من العلوم والمعارف الكفيلة بتكوين الشخصية الفذة والواعية والحكيمة والمخططة والناجحة.

وختاماً نستشهد أيضاً بما قاله الإمام الشافعي والذي هو من مارس السفر طوال حياته في التعلم والتعليم .. يقول:

والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب.

healthnwealth.majid@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك