إنصاف المواقف

محمد المسروري

آباؤنا العظام - عليهم رحمة الله - وضمن وسائل التعليم التي كانوا يوجهونها للأبناء الصمت والاستماع للكبار العقلاء، ولجم الأذن طينا عن صراخ الجاهلين والبلهاء، يحضرني بيت شعر نلت التأديب لحفظه: (الصمت زينا والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثارا)..
كان هذا في باب الصمت والتأدب في حضرة العقلاء، للاستفادة من نتاج الحكمة والفكر، والاخلاق النبيلة التي خبروها وتخلقوا بها، وأسبغوا ثوبها الحريري ذاك على مجتمع هم أحفاده ورواده من ثم، أما السكوت فإنه مباح في حضرة استماع الحق والحق وحده أو رأي صواب من فيه حكيم أو عاقل مفوه، ولكنه غير جائز أمام الباطل بل يتوجب الوقوف أمام ذلك المبطل لإلجام فيه بمنطق، وإن لم يع فبالمدر أو بالحجر إن لزم الأمر، أمّا الكلام الطيّب فإنه مفتاح الخطاب بيننا في منهاج خطاب الحياة بين الأخوة والأحباب، ثمّة دعاوى تأتي بين حين وآخر تحرضك تجاهي ومنك الأذن مفتوحة، وكانت قبل ذلك حامية تجاهي لكنها وجدت مني أذنا صما ، لأنك أخي أحبك ويهمني أمرك حياتنا مرآة لبعض.. أبناؤك في حضني وأبنائي في حضنك، أنت أنا وأنا أنت الذي أحب، تتغير الأسماء ولكنا يا أخي نفَس واحد وهمُ واحد، حالة إنسانية لا تنفصل، بمعنى أدق جذر وجسم، ماض وحاضر ومستقبل واحد.. الإمارات جذرها وعمقها عمان والعكس صحيح أمة واحدة شريان واحد يمدها من دم منسجم بكل تفاصيله وحكاياته فلتصمت أبواق التفرقة، استطيع اللحظة أن اخترق كل السياجات الواقفة بين أجسامنا لأقول إني أعيش في عقل أصيل ابن الإمارات اليوم، وهو في عقلي لم يبرح موقعه عندي، كيف وأنا نَفَسهُ ورئته وحاجبه الصدري، وهو صلب أضلعي في قفصي الصدري، هو مني وأنا شاهد انتمائه وإني لحمته ومنه.. دماء صادقة تنساب في شرايين اجسادنا، فصيلاتها واحدة متصلة بجذور هذه الأرض الطيبة، لأنها كلمة طيبة في الأصل والواقع، ثمة من يجتهد في أن يحيك المكائد بين أبناء الجذر الواحد ليجد سانحة لاصطياد كلمة من هناك أو من هنا تارة، وهو متقصد للوقيعة بين أوصال الجسد الواحد، رافعا عقيرة أعيت حنجرته ألف مرة ومرة؛ لأنها من وسائل الدسائس ورغبات الوجاهة الرخيصة، والمال هو المبتغى، أبناء عمان والإمارات من الأمس إلى الغد لسنا سذجا كما يتوهم البعض؛ نعي ما نفعل وعاقلون لما نقول، لن نخضع لوساوسكم وأهوائكم، ولن نتردد أبدا وفي أي حال عن لجم أفواهكم بحجارة ألقتها جبالنا الشامخة شموخ هاماتنا العالية من الأمس إلى الغد.
فإن كففتم شرور توجهاتكم التي تبتغي الفتنة بين أهل البيت الواحد فإنّ كلمة الشكر غير جائز قولها لكم، وإن استمرأتم التمرد والعصيان لإرادة الأمة الواحدة فإن الحجارة لن نلقمها الكلاب دونكم، لأننا أبناء أمس واحد، وحاضر متصل بالود والمحبة، وغد نأمله على ذات القاعدة، ولا مجال للفرقة والتفرق..

سيبقى الجسد إن شاء الله واحد، لأن الوطن واحد، والدم واحد، والهم أوحد.. هذا ما أُوصينا به لغير الصمت بل والمجاهرة به، إذ السلامة في الإجهار بالحقيقة وحدها دون تردد أو توجس من أحد، والمرجفون في الأرض سيأكلون ألسنتهم بل ويبتلعونها إن احتكمنا كلنا للعقل وأنصفنا المواقف الصادقة تجاه بعضنا دون توجّس أو رياء، الأمانة والوضوح والأمن مطلب أساسي لمجتمعنا، ذلك أنّ السلام هم الجميع.. سلام يقوم على التفاهم والتكافؤ في تبادل المصالح مع القريب والبعيد واحترام الشأن الداخلي لكل طرف، ومراعاة الخصوصية له.. نعم أنا وأنت واحد، أمد لك يدي أثق بك هات يمناك.

تعليق عبر الفيس بوك