يوم القمم..

عائشة البلوشية

أعلنها سلطان العصر المحنك يحفظه الله ويرعاه بأنّ الحادي عشر من ديسمبر هو يوم القوات المُسلحة الباسلة، فنشر حبه الأبوي بين أفراد شعبه الذي بادله الحب بولاء وإخلاص، وحّد جميع الأطياف، فالجميع يعرف بأنّ في هذا اليوم انتهت الحرب في ظفار، وأقبل الجميع يحضنون بعضهم بعضًا إخوانًا على أرض بلاد جعل قائدها الدم العماني ينافس الماس الثمين، وعاد من كان مغتربا إلى دفء أحضان بلاده وذويه، وبدأ يعمر ويبني هذا الوطن، ففي هذا اليوم رسّخ جلالته يحفظه الله أولى قمم العطاء لشعبه، ومرسلا لهم بأنّ قواته المسلحة هي قمة ثابتة الرسوخ في الأرض والقلب معا..

وأنّا مؤمنة تمام الإيمان بأنّ الصدفة لا وجود لها في هذا الوجود، فكل شيء خلقه الله تعالى بمقدار، ولكنني تفاجأت عندما علمت بأنّ يوم - الحادي عشر من ديسمبر من كل عام- هو اليوم العالمي للجبال، هذه المعالم الجغرافيّة التي جعلها الله تعالى أوتاد الأرض، راسخة بقدرة ربها لتخفي الأسرار الغامضة بين تجاويفها، وهدوئها الذي يجذب المتأملين ليستأنسوا بالتوحّد مع خالق هذا الكون بالتأمل في عظمة خلقه، ولنا في أنبيائنا ورسلنا الذين نؤمن برسالاتهم وكتب الله تعالى التي أنزلها عليهم المثل الأعلى في التأمل والتعبد، فلو بدأنا بأول الخلق أبونا آدم عليه السلام، فسنجد أنّه وبحسب الروايات التقى بأمنا حواء على جبل عرفات بعدما أنزلا إلى الأرض، كما أنّ سيدنا نوحا عليه السلام قام ببناء سفينته وكان رسوها على جبل "الجودي" بعد الطوفان، وعندما كلّم سيدنا موسى عليه السلام الله تعالى، كان على جبل "الطور"، وتمضي الحقب والعصور، لينزل جبريل عليه السلام على رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتعبد في غار "حراء"، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحب جبل "أحد" كما ورد في الروايات وكأن روحا تسكنه، وكلنا يعلم دور غار "ثور" في الهجرة النبوية، وتنتهي السطور ولا تنتهي الروايات عن هذه الراسيات فوق سطح الأرض وتحت الماء...

وبحسب الإحصائيات العالمية فإنّ الجبال تغطي حوالي 27% من الكرة الأرضية، وهي تساهم إسهاما فعالا في اقتصاديات الكثير من شعوب العالم، فهي تأوي 915 مليون نسمة من البشر بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة في 2015م، وهذا يعني 13% من سكان العالم، والجبال ليست رواسي تمد القشرة الأرضية بالثبات والرسوخ فحسب، بل هي من أهم مصادر المياه العذبة في الطبيعة، وغير المنتجات الزراعيّة المختلفة، وهي مصدر رئيسي للطاقة والمعادن المختلفة.

وارتبطت سلاسل جبال بلادي الحبيبة عمان بالأساطير المليئة بالغموض، وأدوارها في صد هجمات عوامل الطبيعة المختلفة عبر العصور، وهي من أهم مخازن الماء العذب في السلطنة، حيث إن الأفلاج الداؤودية وبعض الأفلاج الغيلية تنبع من الجبال، وسلاسل الجبل الشرقي والجبل الغربي جبال القرا، من أروع أماكن الرعي ﻷجود أنواع الماشية الجبلية، والوعل والنمر العربي، أمّا الجبل الأخضر الشامخ بمدرجاته الخضراء التي تشهد على إرادة الإنسان العماني منذ القدم، فهو ثروة اقتصادية في حد ذاته، إذا طرقنا الجانب السياحي فسنجد سياحة الطبيعة، وسياحة العلاج بالاسترخاء، وسياحة تسلق الحبال، وسياحة تعلم النسيج، وغيرها من السياحات تتوفر وتصرخ معلنة حضورها في أخاديد ذلك الجبل ليتردد صداها في قمة جبل شمس، فينتح حفيف أشجار العلعلان روائحه الزكية في الأجواء؛ كما أنّ بعض الجبال لدينا يتخذها النحل بيوتا دون غيرها، لتصبح من أجود الأماكن إنتاجًا للعسل البري وكذلك المناحل التي تقام في سفوح تلك الجبال، وأخص بالذكر الجبال المطلة على محافظتي الظاهرة والباطنة جنوب؛ ومع انتهاء عام 2015 وبداية 2016 يخرج إعلامنا مصرحا بغيض من فيض الطاقات الكامنة في هذه الجبال من معدني الذهب والنحاس في أحد عشر موقعا، من محافظة الشرقية شمال إلى محافظة الباطنة شمال، لتكون رافدًا اقتصاديا سيشكل محورًا أساسيا في عجلة التنمية.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإنّ جبال العالم معرضة للهشاشة بسبب عوامل التعرية وقلة المناسيب المطرية، وهذا بدوره سينعكس سلبا على قاطني تلك المواقع الجغرافية وما جاورها، إلا إذا وجدت التخطيط السليم والتنفيذ الأمثل لخطط التنمية، بحيث لا ضرر ولا ضرار، ننتفع بخيرات نعم الله علينا ولكن دون أن نسرف ونفرط في إيذاء الطبيعة فيختل التوازن البيئي...

بالنسبة لي وبعد اطلاعي على هذه المعلومة، فإنّ يوم الحادي عشر من ديسمبر أصبح مرتبطا لديّ بالسمو والنصر والسلام والتصالح والسكينة مع النفس ومع الغير، وهذا الغير قد يكون جمادًا أو نباتًا أو بشرًا أو أي نفس وروح خلقها الله تعالى في هذا الوجود...

توقيع:
"مع الله في الفَلَك المستطير.. وفي الشمس تجري إلى مستقر

مع الله في الأرض في سهلها.. وأودائها والرواسي الكُبر"
عمر بهاء الدين الأميري.

تعليق عبر الفيس بوك