مختصون: انخفاض معدلات جرائم الأحداث في السلطنة مؤشر على الوعي المجتمعي وتتويج لجهود الجهات المعنية

أوضحوا أنَّ قانون الجزاء العماني يجسِّد المبدأ الإصلاحي للحدث الجانح

 

◄ محمود فتحي: 880 جريمة أحداث في 2010 انخفضت إلى 423 في العام الماضي

◄ نبهان المقرشي: السلطنة تهتم بمعالجة السلوك الانحرافي لإيمانها بأن النشء هم بناة المستقبل

◄ سالم الفليتي: المشرِّع العماني حدَّد سن الحدث بأقل من 18 عاما في قانون الطفل

◄ سنان العلوي: التفكك الأسري بداية النهاية لكثير من الأبناء المعرضين للجنوح

 

 

 

ثمَّن عددٌ من القانونيين والمختصين جهودَ السلطنة لخفض نسب جرائم الأحداث، والعمل على مواجهة أسباب تلك الظاهرة لحماية النشء من أسباب الجنوح على اختلافها.. وقالوا إنَّ التشريعات العُمانية تُولى اهتماماً بالغا لمعالجة السلوك الانحرافي لدى الأطفال والأحداث؛ باعتبارهم اللبنة الأولى لبناء المجتمع. وقد حرصت السلطنة على توفير المناخ المناسب لرعاية الأحداث المنحرفين والمعرضين للانحراف عن طريق إصدار قوانين تعمل على علاج مشكلات الأحداث؛ حيث تمَّ إنشاء محكمة متخصصة للنظر في أمر الأحداث، إلى جانب هيئة لرعاية الأحداث تضمُّ مُتخصصين وخبراء في المجالات القضائية والدينية والنفسية والاجتماعية والمهتمين بشؤون الأحداث لاتخاذ التدابير العلاجية المناسبة وفقاً لنصوص ومواد القانون المشار إليه.

وأوْضَح مَنْ استطلعتْ "الرُّؤية" آراءهم في هذا الشأن أنَّ السلطنة انضمَّت إلى عدد من الاتفاقيات الدولية بحماية الأحداث، وثمَّنوا جهودَ دائرة الأحداث بشرطة عُمان السلطانية ووزارة التنمية الاجتماعية في سبيل صون حقوق الحدث وتوعيته وإصلاح سلوكه.

 

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

 

 

 

وقال الدكتور محمود فتحي المستشار القانوني بمعهد القضاء، إنَّ جرائم الأحداث في السلطنة وفقا لتقارير رسمية تسجل انخفاضاً سنوياً متوالياً؛ حيث بلغ عددها في العام 2010 ما مجموعه 880 جريمة، وانخفض في العامين 2011 و2012 إلى 688 جريمة، وواصل انخفاضه في العام 2013 حيث بلغ 457 جريمة، ليصل العام الفائت إلى 423 جريمة أحداث فقط، ويعود سبب انخفاض معدل جرائم الأحداث إلى الجهود المبذولة في سبيل توعية المجتمع والبرامج الوقائية لتفادي جنوح الأحداث بجميع أنواعه، والتركيز على دور الأسرة وأهميتها في حماية أبنائها من الانحراف، وقد بلغ عدد العُمانيين في قضايا الأحداث العام الفائت 382 حدثاً، وغير العُمانيين 41 حدثاً، فيما بلغ عدد الحالات تحت الاختبار القضائي للعام الفائت 97 حالة.

وأوْضَح الدكتور محمود فتحي أن جنوح الأحداث في العالم من الظواهر الخطيرة، التي تمثل تهديدا لأمن المجتمع واستقراره وبنائه. وهذه الظاهرة ليست بالجديدة، كما أنها تنتشر على مستوى دول العالم كافة ولا ترتبط بالدول النامية فقط، لكنها تزداد في المجتمعات النامية لعدَّة أسباب؛ منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، ومما يعمق خطورة هذه الظاهرة في الدول النامية أنَّ أكثر من 50% من سكان الدول النامية هم من فئة الأطفال والشباب. وقد تعدَّدت تعاريف الحدث بتعدد العلوم التي تناولته، فهناك بعض الصعوبة في تحديد هذا المفهوم لأن الجنوح يتصل بشكل أو بآخر بمفهوم الجريمة والسلوك الإجرامي. ويظهر أن إيجاد تعريف شامل لمفهوم الجنوح ما زال يتعذَّر تحقيقه لارتباطه بقضايا علمية واسعة يشارك فيها رجال القانون إلى جانب علماء النفس والاجتماع والخبراء الاجتماعيين وأطباء النفس الذين يرون أنَّ الحدث منذ ولادته حتى يتم له النضج الاجتماعي والنفسي وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثلة في الإدراك التام، أي معرفته لطبيعة وضعه والقدرة على تكييف سلوكه وتصرفاته طبقا لما يحيط به من ظروف ومتطلبات الواقع الاجتماعي.

 

التعريف القانونى

وأشار إلى أنَّ علماء القانون يعرِّفون الحدث بأنه مَنْ بلغ سن السابعة من العمر ولم يبلغ سن الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة، أو وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف، كما حدد علماء الشريعة الإسلامية سن الحدث بسبع سنوات وهي السن التي يفترض فيها عدم خضوع الحدث للتأديب أو العقوبة. أمَّا الحد الأقصى لسن الحدث فقد اختلفت الدول الإسلامية في تحديده، فهو يتراوح ما بين 15-18 سنة وقد يصل في بعض الدول إلى سن 20 سنة، موضحا أن التشريعات اعتمدت لفظ (الحدث) في السلطنة والأردن والكويت وسوريا؛ حيث إنَّ الحدث في قانون الجزاء العُماني رقم 7/74، والصادر في 15 فبراير 1974م كان يعتمد لفظ القاصر ولم يعرفه القانون العُماني إلا ضمنيا في مادة (104) التي نصت على أنه (لا يلاحق جزائيا من لم يكن عند ارتكابه الجريمة قد أتم التاسعة من عمره، لكن بعد صدور المرسوم السلطاني رقم 30/2008م أصبح المعتمد في سلطنة عُمان هو لفظ الحدث، ويتوافق معه قانون الأحداث الأردني والكويتي والسوري، وقد فرَّق قانون مساءلة الأحداث العُمانى بين الحدث والحدث الجانح والحدث المعرض للجنوح فقد نصت الفقرة (ج) من المادة الأولى من قانون مساءلة الأحداث العُمانى على أنه هو (كل ذكر أو أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من العمر)، بينما جاء في الفقرة (د) من نفس المادة في تعريف الحادث الجانح بأنه (كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون). أمَّا الحدث المعرَّض للجنوح فعرفته الفقرة (هـ) من نفس المادة بأنه (كل من تحقق في شأنه حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة الثالثة).

 

حالات الجنوح

وأوْضَح الدكتور محمود فتحي أنَّ هناك بعضَ الحالات يُعتبر فيها الحدث معرضا للجنوح؛ من بينها: إذا لم يكن له محل إقامة معروف أو كان يقيم أو يبيت عادة في أماكن غير معدة للإقامة أو المبيت، وإذا كان سيئ السلوك مارقا من سلطة أدبية أو وليه أو وصيه أو المؤتمن عليه أو من سلطة أمه متى كان مشمولاً برعايتها، وإذا اعتاد مخالطة الجانحين أو المعرضين للجنوح أو الذين عرف عنهم سوء السيرة، أو اعتاد الهروب من البيت أو المدرسة أو من معاهد التعليم أو التدريب.

 

وقاية المجتمع

وقال نبهان المقرشي إن خطر الانحراف يشبه تماما خطر الأمراض الوبائية؛ فذلك يدفع كل المهتمين والمعنيين بدراسات الانحراف والجريمة إلى تكثيف جهودهم للحد من انتشار هذا الخطر ووقاية المجتمع منه؛ حيث إنَّ أيَّ محاولة لإصلاح حدث جانح أو منحرف أو عائد للانحراف لها أهميتها من منطلقين أساسيين؛ وهما: حاجة المجتمعات للأخذ بسبل التنمية وتحقيق أقصى استثمار ممكن لمواردها التي من بينها العنصر البشري، إلى جانب الرعاية الاجتماعية في المجتمعات النامية؛ حيث ينبغي أن تكون حقاً واجب الأداء لكل مواطن، ويجب أن تكون حقاً خاصاً لهولاء الذين أصبحوا ضحية لظروفهم الأسرية، وأن تتكاتف جهود الرعاية لإعادتهم إلى السلوك السوي.

وأضاف المقرشي بأنَّ الدول العربية تسعى لتوفير الرعاية الاجتماعية لمواطنيها في ميادين الأسرة والطفولة والشباب؛ إيمانا منها بأهمية تماسك البناء الاجتماعي في المجتمع في ظل النمو والتطور والتغيرات التي تطرأ على مجتمعنا بصفة عامة وعلى المجتمع العُماني بصفة خاصة، وفي ظل القوانين الوطنية لكل دولة على حدة، وبما يتناسب مع ظروف كل منها والأوضاع المتنوعة لمعالجة السلوك الانحرافي لأبنائها ووضع الضوابط الاجتماعية طبقاً للمعاير الاجتماعية السائدة، وإيجاد الحلول المناسبة لهم، ومن خلال الدراسات والأبحاث العلمية على يد متخصصين وخبراء بالنواحي الاجتماعية والنفسية والثقافة القانونية.

وأوضح المقرشي أنَّ السلطنة تهتم بمشكلة السلوك الانحرافي اهتماماً كبيرًا لإيمانها بأن النشء هم اللبنة الأولى في المجتمع ورجال الغد والمستقبل، والأسرة هي المدرسة الأولى لتشكيل وتوجيه سلوك الفرد، وقد حرصت السلطنة على توفير المناخ المناسب لرعاية الأحداث المنحرفين والمعرضين للانحراف فأصدرت قوانين وأنظمة، وهي خطوة حضارية لعلاج مشكلات الأحداث، وتبع ذلك إنشاء أول محكمة متخصصة للنظر في أمر الأحداث المنحرفين والمعرضين للانحراف كما أنشأت أول هيئة لرعاية الأحداث تضم متخصصين وخبراء في المجالات القضائية والدينية والنفسية والاجتماعية والمهتمين بشئون الأحداث لاتخاذ التدابير العلاجية المناسبة لهم وفقاً لنصوص ومواد القانون المشار إليه، وبهذا التشريع يجري معالجة مشكلة السلوك الانحرافي في ظل الضوابط الاجتماعية التي تتفق مع قيمنا وعادتنا وتقاليدنا وتتناسب مع ظروف كل دولة أو مجتمع على حدة لتحقيق الهدف المطلوب ونشر الوعي حول أسباب الانحراف السلوكي وطرح الحلول العلاجية والوقائية لإعادة إصلاح والتأهيل انطلاقاً من مبدأ "الوقاية خير من العلاج".

 

نظام عقابي إصلاحي

ومن جانبه، قال الدكتور سالم الفليتي أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد بكلية الزهراء للبنات، إنَّ الحدثَ هو من يرتكب جريمة جنائية لمخالفة أحكام القانون، في مرحلة تسبق المسؤولية الجزائية، مما يتوجب في هذه الحالة إخضاعه لنظام عقابي إصلاحي مخفف المسؤولية، وأوضح أنَّ المشرِّع العُماني حدَّد سن الشخص الذي ينطوي تحت مسمى الحدث بأنه "كل ذكر أو أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من العمر." وهو ما أكده قانون الطفل في البند (د) منه بأن الطفل "كل إنسان لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالتقويم الميلادي"، والمتتبع لقانون الجزاء العُماني يجد أنه قد جسَّد المبدأ الإصلاحي للحدث الجانح، مراعيا في ذلك سنه ابتداء من المادة (78) عندما وضع شروط التجريم، كما أنَّ المشرع العُماني أخذ بمبدأ التدرجى في عقوبة الحدث الجانح، فمن أتمَّ التاسعة من عمره ولم يتم الثالثة عشرة عند ارتكابه الجريمة لا يحكم عليه بعقوبة السجن أو الغرامة، بل يوضع بحكم قضائي في مؤسسات إصلاحية مدة لا تتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ومن أتم الثالثة عشرة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة وارتكب جرم يعاقب بالسجن إصلاحا وليس عقابا، إصلاحا للنفس من ثلاث حتى خمس سنوات إذا كانت الجريمة جنائية معاقبا عليها قانونا بالإعدام أو السجن المطلق ومن سنة حتى ثلاث سنوات في الجنايات الأخرى، أما إذا كانت الجريمة جنحة تعاقب عليها بالسجن من عشرة أيام حتى ستة أشهر. وهناك جهات تجسد مضامين تلك القوانين؛ منها: شرطة عُمان السلطانية (دائرة الأحداث)، ووزارة التنمية الاجتماعية مما يجعل الحقوق مصانة، وسبل التوعية وإلاصلاح واضحة وضوح الشمس.

 

مؤثرات سلبيَّة

وقال سنان بن محمد بن سليمان العلوي: إنَّ التلفاز وما يشاهده الأطفال من مؤثرات سلبية مثل المسلسلات والبرامج التي تتضمَّن ألفاظ بذيئة ومبطنة بسلوك الفحش والرذيلة...وغير ذلك من وسائل مضيعة للوقت، وترك العبادات؛ وعلى رأسها: الصلاة من الأسباب التى تؤدى إلى انحراف الأبناء في سن مبكرة؛ فيجب مراقبة ومتابعة الطفل ومعرفة أصدقائه وسلوكياتهم وردود أفعاله معهم لضمان التربية السليمة.

وأضاف العلوي بأنَّ قدرة الحدث على مواجهة ظروف الحياة المتغيرة ترجع إلى إمكانياته الذاتية واستعداداته الموروثة، وأنَّ ثمة دوافع ورغبات كامنة في نفس الحدث تخالف العادات والتقاليد التي يتمسك بها المجتمع، وتحاول هذه الدوافع أن تضغط على الحدث حتى يحقق لها الإشباع، ولكن الشخص العادي يمكنه أن يكتمها ويُبدلها بأشياء مرغوبة بحسب مكوناته الشخصية، وبالرغم من ذلك فهنالك مواقف ضاغطة لا قدرة للشخص على كبح جماحها وتظهر في شكل تصرفات لا يقرها المجتمع فليس السلوك المنحرف الذي يقع فيه الحدث مجرد مخالفة للأخلاق والأعراف، وإنما هو مظهر من مظاهر سوء التكيف نتيجة الضغوط التي يقاسيها الحدث ويشعر بوطأتها فتدفعه الى السلوك المنحرف.

وأوْضَح العلوي أنه قد تنشأ اضطرابات يصادفها الحدث تحول بينه وبين الاستقرار النفسي الصحيح، ومن ثم يحدث الاضطراب الانفعالي الذي يؤثر تأثيرا ضارا على شخصيته ويتخذ في بعض الحالات أعراضا جسيمة إلى جانب الأعراض النفسية ومنها الخوف والقلق والعزوف عن الطعام والانطواء وشدة الخجل وسرعة الغضب وعدم الطاعة والعناد وسرعة الاستهواء والانقياد والغيرة الشديدة والميول.. وتابع بأنَّ الذي يؤثر في سلوك الحدث هو شعوره بالنقص نتيجة ما يحدث في جسمه من تغيرات تجعله مغايرا أو منحرفا عن غيره من الأسوياء، كأن تزيد العوامل البيولوجية عن معدلها أو تنقص عن مستوى الحدث العادي الذي من شأنه أن يؤثر في نظرته على نفسه وفي معاملة الناس له، إلى جانب شعور الحدث بالنقص نتيجة الصورة الذهنية التي يتخذها الحدث لنفسه عن جسمه التي تؤثر في سلوكه وتتمثل في معاملة المجتمع لهم، إما في أخذهم بالقسوة أو الشفقة الزائدة أو العطف الشديد؛ مما يؤدي إلى عدم شعورهم بالاستقرار وعدم الاطمئنان للغير وفقد الثقة في أنفسهم، وهذا يؤدي إلى السلوك غير المتوافق ويقوده إلى الانحراف.

وذَهَب العلوي إلى أنَّ التفكُّك الأسري بفقد أحد الوالدين أو كليهما -سواء بالوفاة أو السجن أو المرض الطويل- وتفكك الروابط العائلية -بالطلاق أو الهجر- بداية النهاية لكثير من الأبناء، إضافة إلى عوامل ضعف الوازع الديني؛ حيث إنَّه إذا نشأ في أسرة غير مبالية بأداء الصلوات أو فعل الخير والتعاون على البر والتقوى؛ فهذا يؤدي إلى التنشئة غير السليمة، فلا يجد من يأخذ بيده إلى طريق الخير، ويكون مهيئا للانحراف في أي وقت ومعرضا لوساوس الشيطان.

تعليق عبر الفيس بوك