مسؤولية استخدام "الفيس بوك"

عبيدلي العبيدلي
نجح موقع فيسبوك في "تحقيق قفزة في الأرباح في الربع الثالث (من العام 2015) إثر ارتفاع إيرادات الإعلانات، بزيادة في الأرباح الصافية بنسبة 11 في المئة إلى 891 مليون دولار في الفترة من يوليو إلى سبتمبر مقارنة بـ 806 ملايين العام الماضي، ونموًا قويًا في المستخدمين في الأسواق النامية". وعلّق الرئيس التنفيذي ومؤسس فيسبوك مارك زوكربرغ على هذه النتائج بالقول "إن الشركة تركز على الابتكار والاستثمار على المدى الطويل". ووفقاً لتقارير موثوقة أصبح "فيسبوك، أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم، انضم إليه 60 مليون مستخدم جديد شهريا في الربع الثالث من هذا العام، مما يرفع عدد مستخدميه في العالم إلى 1.55 مليار مستخدم".
لكن تختفي بين صفحات روايات النجاح التي حققها زوكربرغ، الكثير من المثالب أو بالأحرى المآخذ التي يحتويها أو يطورها موقع فيسبوك الإلكتروني، يقابلها ما لا يقل عنها وربما يفوقها من المزايا والإيجابيات التي يوفرها ويضعها في متناول مستخدميه، أو حتى زواره.
فمن بين هذه الأخيرة يمكن رصد الأهم وهي:
1. المجانية، فعلى الرغم من تسهيلات التواصل الاجتماعي المتعددة والمتنوعة التي يقدمها الموقع والتي تتراوح خدماتها في الهيئة بين النصوص والصور وأشرطة الفيديو، لكن تحمل كلفتها متروك لقرار المستخدم الذي بوسعه أن ينعم بنسبة عالية منها دون أية كلفة مالية تذكر. ربما توفر مثل هذه الخدمات مواقع أخرى، لكنها تتوفر مقابل كلفة تتراوح في أثمانها وفقاً لسياسات الموقع، وليس حاجات المستخدمين. وهي في مجملها أعلى سعرًا من تلك المتوفرة على الفيسبوك
2. التعميق، فمن خلال وصل الحاضر بالتاريخ يبني فيسبوك سيرًا ذاتية كاد الكثير من محتويات فصولها أن يندثر، ويُعيد ربط أواصر قرابات أسرية بتر أطرافها الزمن، ويرجع صداقات باعدت بين أصحابها المسافات. ويؤسس هذا البناء لعلاقات مستقبلية متواصلة وقابلة للنمو والازدياد عمقاً لا توفرها وسائل التواصل الأخرى، بما فيها الحديثة منها المتوفرة على الشبكة العنكبوتية.
3. الإثراء المعرفي والانفتاح الحضاري، وهو أمر يؤكد عليه الإعلامي علاء الدين إبراهيم حين يكتب، "فعندما أتحدث عن إيجابيات الفيسبوك من وجهة نظري فهو انفتاح ثقافي معرفي واسع بين الدول، ويساعد على سرعة التواصل والتعارف بين الأشخاص، ومعرفة أهم أخبارهم وأهم الأحداث على المستوى الاجتماعي والرياضي والفني والديني وجميع المجالات الأخرى، ويُساعد ذلك على إنشاء علاقات اجتماعية جديدة بعيداً عن أماكن العمل والدراسة والأسرة".
4. تطوير الأعمال، إذ يشكل رجال الأعمال نسبة لا بأس بها بين زوار ومستخدمي الفيسبوك، والذين فاق عددهم المليار. وقد لجأت هذه الفئة إلى هذه البيئة الإلكترونية كي تطور الطبيعة الاجتماعية لهذه البيئة إلى منصة كفؤة لمزاولة أعمالها التجارية. فهناك اليوم العديد من كبريات المؤسسات الصناعية والتجارية التي باتت صفحاتها على الفيسبوك أكثر زيارة من مواقعها الإلكترونية الرسمية، وأصبح في وسعها ممارسة أعمالها التجارية وتحقيق المزيد من الأرباح، من خلال العلاقات التي نجحت في بنائها مع زوارها الذين فاق عددهم عدد الزبائن والموزعين الذين يجري التواصل معهم عبر الطرق التقليدية، أو حتى من خلال منصات تجارية أخرى.
لكن كما أشرنا أعلاه، شأنها شأن أية وسيلة للتواصل الاجتماعي الأخرى، لا بد وأن يرافق مثل هذه الإيجابيات والمزايا بعض السلبيات التي لا يُمكن تحاشيها، ويمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية:
1. الاكتظاظ بالمواد عديمة الجدوى، وهي ليست بالضرورة مواد مسيئة للآداب أو مستفزة للقيم والعقائد، لكن يشوبها الكثير من الإعلانات، ومواد الترويج التي لا يبحث عنها أصحاب صفحات الفيسبوك. هنا يختلط "السم بالعسل"، إن جاز لنا القول. ورغم أنّ هذه الأخيرة توفر العديد من أساليب وبرامج حجب تلك المواد، أو منع أصحابها من بثها على الموقع، لكن تبقى كفاءة تلك الموانع محدودة. وفي حالات لا يستهان بها تنهار أمام ابتكارات من يبثون تلك المواد غير المرغوب فيها، أو ذات المحتوى السلبي.
2. هتك الخصوصية، حيث يصعب التحكم في سلوك مستخدمي الفيسبوك لضمان عدم نشر مواد في لحظات انفعال، أو حتى انتقام. وفي استطلاع للرأي قام به أحد المواقع، يروي من شملهم ذلك الاستطلاع العديد من الحوادث التي تقع في مثل هذه الفئة، كان من بينها قصة شاب يبلغ من العمر 26 عامًا يقول " كنت مخطوبا لفتاة أحببتها وأحبتني، وكنّا أصدقاء على الفيسبوك لأشهر طويلة دون مشاكل، وتقبلت نشرها لصورها وأصدقائها الشباب دون مشاكل وأعطيتها حرية واسعة، لكنني تفاجأت بها يومًا ما تنشر تعليقات ساخرة وجارحة ومهينة وشخصية جداً عنِّي، بسبب شجار وقع بيننا. أنا لم أتحمل الموقف لأنّها فضحت أسرارنا بين جميع أصدقائنا وأنا لست مستعدًا لأن ارتبط بواحدة لا تحترم خصوصيات العلاقة." بطبيعة الحال يتّسع نطاق هذه السلبية، كي يتجاوز القضايا الفردية، كي يشمل المسائل التجارية والصناعية، ويزداد الأمر خطورة عندما تمس المعلومات المنشورة والمتداولة الأمن الوطني والسلامة المجتمعية.
3. الإدمان الشديد، الذي يبلغ درجة تتراجع فيها قيم الوقت، وتنتهك بسببه مثل العلاقات الاجتماعية، وتتهاوى أمامه أوقات ممارسة الواجبات الدينية. فهناك نسبة لا يستهان بها من رواد الموقع يعكفون ساعات كثيرة يوميا من أجل الاستمتاع فحسب. هذا الإدمان يهدر الوقت، ويشتت الجهود، ويبدد الطاقات.
كل هذه الإيجابيات والسلبيات تجعل الفيسبوك سلاحاً ذا حدين، ومن ثم تلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق الآباء، بل وحتى المربين في المدارس كي يحصنوا أنفسهم، قبل أن يحموا أبناءهم وطلابهم من السلبيات دون أن يضحوا بالإيجابيات. والمجتمع المتحضر القابل للتطور هو ذلك المجتمع الذي ينجح مواطنوه، ومن خلال إرادة ذاتية واعية في الوصول إلى المعادلة الصحيحة السليمة التي تطور الإيجابيات وتقلص السلبيات.

تعليق عبر الفيس بوك