معاريس وعرائس العرس الانتخابي

فيصل الحضرمي

انتهى العرس الانتخابي وانفض السامر. وعاد المعاريس وهم بالآلاف إلى بيوتهم تصحب كلا منهم العروس التي اختارها لنفسه. بل إن كثيراً من هؤلاء المعاريس كانوا قد استلموا عرائسهم قبل يوم العرس وقبل عقد القران بفترة لا بأس بها، وقضوا معهن وبهن أسعد الأوقات الشهريارية، وربما يترقبون الآن وبلهفة الظمآن مولوداً أو أكثر على شكل استثمار للعطية الأصلية يهل عليهم غدا أو بعد غد من رحم ذلك الزواج غير الشرعي.

وكما يحدث في كل عرس انتخابي شوروي، ورغم أن عدد المقاعد المخصصة للمترشحين الفائزين لا يتجاوز الخمسة وثمانين، ظهر في العرس آلاف المعاريس متهللي الأسارير لامعي الأعين سائلي اللعاب لعلهم تشكلوا في غالبهم الأعم من الناخبين المرتشين الذين كانوا عرساناً هم أيضاً. كان العرس عرسهم كذلك وكانت عرائسهم متباينة فيما بينها وإن ظل المبلغ النقدي "الكاش" هو الحسناء المفضلة التي لم يغلها المهر الكبير المدفوع فيها والمتمثل في بيع الضمير بالجملة وبالمفرق.

هكذا تعدد العرسان وتنوعت العرائس في ذلك العرس الفنتازي وبعثت الأسئلة القديمة الجديدة المتعلقة بالمعاريس الأجدر والأحق بالعروس الحقيقية في هذا الحفل الذي وصفوه بالبهيج رغم أنّ العروس المسكينة لا يُمكنها أن تبتهج بمعاريس يخونونها مع عرائس أخرى، وبطريقة "عيني عينك"، ضاربين عرض الحائط كل كليشيهات الغزل التي صبوها في أذنيها حتى داخت وباخت وشارفت على الإغماء.

ذلك الغزل الذي ملك عليها شغافها طوال فترة الخطبة عندما كانت ألسنتهم رطبة، بل ومتخرسة للغاية بفعل لعابهم الذي لم ينقطع عن السيلان طمعاً في عرائس أخرى لم تخف على أحد غيرها، لأنّها بحكم طيبتها وبياض قلبها لم تعتد إساءة الظن في أي عاشق يقاربها.

وفي عرس كهذا هو أشبه ما يكون بسيناريو فيلم هندي مسرف في اللامعقولية، لا يوجد عزاء لمن خرجوا من المولد بلا حمص، أو مع قليل من التصرف والتعمين الذين نسمع جعجتهم أكثر مما نرى طحينهم، الذين خرجوا من العرس بلا حزة لحمة. هل أبالغ حين أشبه ما حدث بالفيلم الهندي؟؟ إليكم هذا المشهد ولكم الحكم. خارج إحدى المدارس المعدة كمكان للاقتراع، وقفت سيارة "سنفترض" أنّها لاندكروزر وبداخلها "مدير أعمال" أحد المترشحين المترفين. كانت لديه حقيبة "سنفترض" أنها ماركة سامسونايت، وكان بها ما تبقى من المبلغ الإجمالي الذي "سنفترض" أنّه يجاوز الستمئة ألف ريال عماني، والمرصود لعملية إقناع الناس "بالتي هي أحسن" حتى يصوتوا للبطل المغوار الذي لن تتجاوز بطولاته عمل عدد وقدره من "المطبات" من قبيل ذر الرماد في العيون، و قد ثبت على أي حال أنّ المال هو أحسن اللواتي في هذا العرس الوطني الكبير.

كان الاتفاق أن يصوت الناس للبطل "أبو مطبات" على أن يستلموا نصيبهم فور خروجهم من المدرسة. تحلق العشرات حول اللاندكروزر وبدأ توزيع الفلوس قدام الخلق والعالم. فجأة وقع ما لم يكن في حسبان "المدير". انتهت المبالغ المرصودة للتوزيع بينما كانت عشرات الأيدي المشمرة لا تزال ممدودة عبر نافذة السيارة تطالبه "بأتعابها". أخذ يقسم بالله في سماه أنّه سيعود قريباً ليعطيهم نقودهم، لكنهم رفضوا تصديقه وتحلقوا حول السيارة ليمنعوه من مغادرة المكان. هنا أحس بخطورة موقفه وبدأ بالتحرك مما دفع السد البشري للتزحزح من المقدمة والتعلق بالسيارة من الجانبين والمؤخرة مسافة بضعة أمتار في لقطة طريفة تعبر أصدق تعبير عن مستوى الانحطاط الذي غرق فيه الكثيرون يومها. ويبقى التعليق الأطرف على الواقعة ما ذكره أحد الأصدقاء حين وصف المتعلقين بالسيارة بمجموعة من "الزومبيز" الذين لا يكفون عن ملاحقة فريستهم ولو عرضوا أنفسهم للخطر.

هناك بلا شك معاريس جديرون بالاحترام، وجديرون بالمحبة والدعم والتشجيع. هؤلاء هم المترشحون الذين يكنون للعروس التي أقيم العرس لأجلها صادق المحبة والتقدير والاحترام، ولم يسلكوا لأجل خطب ودها طرقاً وأساليب غير مشروعة، وحافظوا على أيديهم نظيفة من شراء الأصوات والذمم والضمائر، ولم يمدوها إلى أكف الناخبين وجيوبهم وحساباتهم البنكية بمال فاسد مفسد كآخذه ومعطيه. ولم يضحكوا على ذقون الناس بمعسول الوعود الكاذبة التي تشبه الوعد الشهير بإحضار لبن العصفور الذي وإن ثبتت حقيقة وجوده فإنّه يظل عصياً على التحصيل، أو الوعد الأشهر الذي قطعه أحد المترشحين النوابغ بعمل "بحر" في إحدى ولايات الداخل كما ورد في إحدى النوادر الشعبية. ومع ذلك، أخشى أن يكون بعض عرسان ذلك اليوم المشهود من الصنف الثاني ذي الأيدي غير النظيفة.

المعاريس كانوا بالآلاف كما ذكرنا في حين كانت العروس الحقيقية غائبة، أو شبه غائبة. العروس التي ظنّ الجميع أنّها هي محط اهتمام المترشحين والناخبين ونصب أعينهم جميعاً كانت مغيبة بفعل الحضور الطاغي لبقية العرائس التي حصلت طفرة حقيقية في جيناتها بحيث تطورت بقدرة قادر من جونية عيش، إلى مبلغ عشرين ريالاً، وصولاً إلى مبلغ مئتي ريال، دون أن يغيب عن ذهني بيت أبي نواس الشهير: قل للذي يدعي في العلم معرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياء. ولا أعلم لماذا يذكرني تطور هذه العرائس بالتطور الحاصل للهدايا الممنوحة للأطفال التي بدأت "بحبة شوكليت" ووصلت اليوم إلى جهاز الآي باد.

ولكن لماذا الإصرار على حضور العروس؟ لقد فهم أغلب المعاريس أنّ إقامة العرس لا تتطلب حضور العروس بصفتها الشخصية. ألا يكفي أنها ملأت الأسماع والأذهان قبل يوم العرس لأسابيع وأسابيع؟ كان حضورها كبيراً، بل ومبالغاً فيه، على مستوى الخطابات والشعارات واللوائح الدعائية التي أعدها المترشحون لنيل ثقة الناخبين. افتعل الشعراء عشرات قصائد الغزل التي تتشبب بالعروس، مادحة عطاءها وخيرها وتاريخها المجيد، وجمالها وحسن خصالها وما إلى هنالك من مناقب. ظهرت فجأة عشرات النسخ المقلدة من نزار قباني وهي تتغنى بمفاتن العروس المعشوقة جامعين في كل قصيدة بين اسم العروس واسم الناخب العريس الذي يسانده الشاعر أو يسمسر له بصحيح العبارة. لقد فهم هذا النوع من المعاريس منذ البداية أن العروس المعلن عنها ليست هي العروس التي يحلمون بها ليل نهار. إن ما يحلمون به في الحقيقة هو الوجاهة واللقب والكثير من المطامع الشخصية التي ستكون الطريق نحوها معبدة حال فوزهم في الانتخابات.

لقد حاول صديقي صاحب تعليق "الزومبيز" أن يواسي نفسه قبل أن يواسيني بتذكيري بمقولة منسوبة لنعوم تشومسكي يقول فيها: "يمكنك شراء أفضل نظام سياسي بنقودك". نعم، هذا صحيح. ولكن يمكننا انطلاقاً من نفس المقولة استنتاج أن أسوأ الأنظمة السياسية هي تلك التي يمكن شراء الأصوات فيها بأبخس الأثمان و "عيني عينك".

تعليق عبر الفيس بوك