مجلس الشورى.. هل "تعود حليمة لعادتها القديمة"؟!

 

سُلطان الخروصي

مع بداية صباح الأحد المنصرم، كان المشهد العُماني يترقَّب ولادة مجلس شورى "مسؤول" سيتحمَّل عبءَ ملفات جسيمة تتصل بأركان هيكلية بالدولة تتقدمها الصعوبات الاقتصادية. وبالرجوع لإرهاصات المجلس قُبيل الحِراك الدعائي للدورة الحالية "الثامنة" نجد وجوها على قدرٍ من الكفاءات العلمية والعملية -كما تظهرها السير الذاتية للمترشحين- استشعرت أهمية الولوج بين أروقة المجلس الذي لطالما كان في قفص الاتهام؛ سواء من مجلس الوزراء أو من المواطن، نحو كثير من الملفات الساخنة، وبالأخص بعد الصلاحيات التي وهبها عاهل البلاد المفدى -أعزَّه الله- في سبيل تعزيز ثقة الناخب بالمجلس، وكسر حاجز التحييد بالاستشارية التي طالما هيمنت عليه طوال الدورات الستة الماضية، دون أن يكون فاعلا في صناعة القرار وتحقيق سياسة تقييم العمل الحكومي، حينها وبعد حزمة الإصلاحات التي توالت على البلاد، تأمَّل الجميع أن يخرُج المجلس في دورته السابعة بـ"إنجازات" مشهودة تلامس واقع المواطن وتُخفف عنه عبء قناعة بعض المسؤولين أنه ليس إلا كـ"البقرة الحلوب" لخدمة الوطن! وبالفعل، شهدنا بعض الاستعراض للعضلات تحت قبة المجلس من بعض الأعضاء تجاه المسؤولين بالدولة، دون أن تُدعَّم تلك المواقف و"الخطابات" بمنهجية بحث علمية تقول للمسؤول: "قد أخليَّت بمسؤوليتك وأمانتك أمام ربك وسلطانك والناس في أمر ما وفقا للمعطيات الموثقة التالية..."؛ ليصبح غالبية النقاش للاستهلاك الشعبي. وبالمقابل، كانت "زوبعة" المجلس في دورته السابعة وكأنها ذر الرمال في العيون؛ إذ كان المجلس ولا يزال يدور في فلك الاستشارية أو كما هو متداول في الخطاب الحكومي بـ"المرئيات" غير الملزمة، علاوة على أنه لا يتساوى مع السلطة النافذة في صناعة بعض القرار وأعني بذلك مجلس الوزراء الذي هو أصلا "غير مُلزم" بما يُقدمه مجلس الشورى من مرئيات وتصورات، وربما يصدق قول البعض بأنَّ الصلاحيات موجودة، لكن ينقصها التفعيل؛ وذلك يقع على عاتق الأعضاء من خلال استيعابهم لصلاحياتهم دون ذلك.

وعودة على المشهد الانتخابي، وبعيدا عن دراسة واقع المجلس والتحديات التي يواجهها، استبشر الجميع خيرا بما ستجود به الدورة الثامنة من أعضاء "أكفاء" -والتي يجب أن نعي مدلولها الحقيقي- وحتى لا نغرِّد خارج السرب، فقد أُجري استطلاع للرأي سبق يوم الانتخاب بأسبوع على عينة من المواطنين والمواطنات بمختلف محافظات السلطنة وضم 805؛ حاول استقراء توجهات الناخبين نحو منح ثقتهم لمجموعة من الفئات من عدمها، وجاءت النتائج باختصار بأن ثقتهم بالأعضاء السابقين كانت ضعيفة وبنسبة 64% أشاروا بـ"لن أنتخبهم"، وفئة شيوخ القبائل جاءت ضعيفة وبنسبة 71% "لن ينتخبوهم"، وأما فئة التجار وأصحاب المجموعات التجارية فجاءت كذلك ضعيفة وبنسبة 68% بأنهم "لن ينتخبوهم"، وأما فئة مرشحي التكتلات الانتخابية فقد جاءت ضعيفة وبنسبة 53%، بينما تراوحت النسب بين المتوسطة والضعيفة لفئة قادة الفرق الخيرية؛ إذ أشار 37% إلى احتمالية انتخابهم أو لا، وكذلك لفئة رؤساء جمعيات المجتمع المدني فقد كانت الحيرة واضحة على إمكانية انتخابهم من عدمه وبنسبة 43%، وكذلك المتدينون وبنسبة 42%، إضافة إلى المعلمين وبنسبة 42%، بينما كانت ثقة الناخبين بحملة الماجستير والدكتوراه جيدة وبنسبة 47% أشاروا إلى أنهم سوف ينتخبوهم، وأما المرأة فقد أظهرت النتائج أن 52% لا يولون ثقة منح أصواتهم للنساء.

من الواضح أنَّ هناك فجوة بين ما أفرزه الاستطلاع -وهو مبني على أسس علمية من مختصين أكاديميين- وبين واقع الترشيح والترشح للمجلس في دورته الثامنة، قد يتشارك الواقع مع نتيجة هذا الاستطلاع في أن المرأة لا تزال بعيدة كل البعد عن طاولة البرلمان، وأن ثقة المرأة بنفسها وبني جنسها لا تزال حبيسة الأدراج، ولا يزال الرجل هو المهيمن على عرش المجلس وبلا منازع. ومن زاوية أخرى، فإنَّ لجنة متابعة سير العملية الانتخابية للفترة الثامنة أعلنت أنها لم تتلقى أي شكاوى أو تقرير يفيد بأن الناخبين كانوا يتعرضون لـ"مضايقات" من المترشحين، وأن العملية سارت على قدم وساق بشفافية ونزاهة وكما خُطط لها! ومن جهة أخرى، كانت بعض القنوات الخاصة بالسلطنة وبعض شهود العيان يتحدثون عن محاولات لشراء الأصوات، وهناك من تحدَّث عن أساطيل من الحافلات التي تنقل كبار السن من تدفعهم حمية القبيلة أو التعصب أو المال (والعهدة على الراوي) فيصوتون بلا أعين رأت ولا أذن سمعت، قد يتفق معي البعض حول أن المال السياسي موجود في أكثر الدول ديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن طبيعة توظيف المال السياسي هو الفارق؛ ففي أمريكا وأوروبا تُقَدِّم شركات السلاح والشركات العملاقة دعما ماليا سخيا للمترشح حتى يوظفه في تعزيز حملته الدعائية مع وجود ماركة الشركة من باب التسويق ودعم نزاهة العملية الانتخابية بمنافسة شرسة شريفة؛ فالمال السياسي هناك يقدم بصورة غير مباشرة للناخب من خلال جلب قناعته بما تعكسه مصداقيته حملته الدعائية بعضو البرلمان، بينما هنا يجند بعض الأعضاء المترشحين أموالهم الخاصة لاجتذاب أصوات الناخبين حتى إذا ما انقضت المهمة نادى في القوم "لكم دينكم ولي دين".

وبرؤية متفحِّصة للسادة الأعضاء الذين ظفروا بعضوية المجلس في دورته الحالية، نجد غالبيتهم من فريقين إما عضو امتدَّت جذوره من الدورة السابقة فجدد له "العقد"، أو عضو أسبق أخذ استراحة محارب، ثم امتطى جواده من جديد وظفر بما أقبل عليه، وإما تاجر وصاحب مال وحلال وعشيرة، بينما غاب أصحاب الشهادات والحِراك المجتمعي والثقافي عن الساحة إلا نزر قليل جدا، كما غاب العنصر النسائي بصورة مخيبة ليستمر مسلسل هز ثقة النساء بعضهن البعض، وأمام كل هذا المشهد نتساءل: هل يستطيع المجلس الجديد أن يتصدى للمهام الكبيرة الموكولة له؟ وإذا كانت خيارات كثير من المواطنين مبنية على القبيلة أو السخاء أو العصبية، فلماذا يلقون التهم على المجلس وتقصيره في حلحلة قضاياهم المعيشية والحياتية ويحملونه ما لا طاقة له به؟!

أخيرا: هل يخرج لنا المجلس بصوته الرقابي والتشريعي ليقدم شراكة صناعة القرار مع الحكومة والمواطن، أم ينطبق عليه المثل القائل:"عادت حليمة لعادتها القديمة".

-------------------------

همسة أخيرة: "شكرا لشرطة عمان السلطانية على دورها التنظيمي، وشكرا لجميع القائمين والمنظمين لانتخابات أعضاء المجلس في دورته الثامنة على الجهد الكبير الذي بذلوه".

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك