حالة ثقافية مُزرية!

ليلى البلوشي

لفت نظري للغاية ما كتبه الناقد د. سعد البازعي على صفحته في الفيس بوك مشيرا فيه إلى تقصير كبير من وزارة الثقافة السعودية وجهات الإعلام؛ لأنّ رواية سعودية مترجمة إلى الفرنسية حازت على جائزة مهمة: "فازت رواية القندس لمحمد حسن علوان بجائزة فرنسية بعد ترجمتها بوصفها أفضل عمل مترجم، وحضر وزير الثقافة الفرنسية ليسلم الجائزة التي رفعت اسم المملكة واسم العرب عاليا، لكن لم نسمع أي تعليق من وزارة الثقافة أو أي من المؤسسات الثقافية السعودية، ترى لو كان علوان لاعب كرة قدم في فرنسا هل كنّا سنرى هذا التجاهل الرسمي، ولو أنّ علوان كان مطرباً من الدرجة العاشرة كما معظم المطربين اليوم، هل كنا سنرى هذا التجاهل الإعلامي المؤسف؟".

في الحقيقة هذا الهاجس طالما شغلني كثيرا، الهاجس نفسه ألمّ بي في الفترة الأخيرة وأنا اقرأ خبر تكريم الدكتورة فاطمة العلياني في الدوحة، التي كرمت ضمن مبدعي دول مجلس التعاون عام 2015م في مجال العمل الثقافي المدني وجاء تكريمها باعتبار صالون فاطمة العلياني هو أول صالون أدبي في سلطنة عمان، وضمن أبرز الصالونات الخليجية انتشارا، الدكتورة فاطمة العلياني التي يعرف الجميع جهودها الجبارة لخدمة الثقافة والفكر في عمان، ومع ذلك جاء الاهتمام بهذا الخبر هزيلا من وسائل الإعلام والصحف العمانية!

بل ما يضاعف القهر حقاً في حال الثقافة العربية عموماً والخليجية خصوصاً هو الاهتمام الغريب بالموتى، بالكتّاب والشعراء الذين يغادرون عالمنا!.

فمنذ الأسبوع الماضي وصلتني عشرات الرسائل تطلب مني المشاركة في كتابة تحقيقات أو فقرات عن الروائي الراحل جمال الغيطاني الذي ابتسم له الموت، نعم، لقد ابتسم له الموت مبشرا إياه بأنّه سيتصدّر أغلفة كتبه وسيرة حياته جميع الصحف والمجلات العربية، هاهو الموت يثبت هنا أنه وحده من ينصف الكتّاب والشعراء، وحده من يجعل حظوظهم في الشهرة تحظى بريق وسائل الإعلام خلال مراسيم جنازته المهيبة؟!

حالة مزرية للغاية أن الكاتب حين يموت في العالم العربي يبرق نجمه وعلى حين فجأة يكون موته سببا لشهرته، للكتابة عنه، للتحريض على قراءة أعماله، سببا لتتراكم التقارير ويلاحق حتى أدق تفاصيل حياته والتي ربما لا تمت مشواراه الثقافي بصلة ؛ لنيل السبق في نشر أخبار عنه حتى لو كانت هزيلة، حتى لو كانت تلفيقا؟!

بل حمى اهتمام بالكتّاب والشعراء الموتى تصيب حتى الناس العاديين، أولئك الذين لم يسمعُ بالأديب قط، بل ربما لا يعرفون حتى نطق اسمه أو كتابته بشكل صحيح، لكن مع ذلك عبر حساباتهم في الفيس بوك وتويتر يعبرون عن مشاعرهم الجياشة عن رحيل الفقيد الأديب وكأن موته حالة احتفالية يجب أن يشير إليه جميع الناس؛ ولا أدري لماذا لا تظهر الحالة الاحتفالية نفسها بالأديب وأعماله خلال حياته، أجهل حقًا هذا النكران الفظيع لكثير من الأعمال الفكرية والأدبية حين يكون الكاتب حيّا يرزق وبكامل صحته، وهل يجب أن يموتوا حتى يحين موعد الكرنفال الكبير، كما كتب الشاعر عبد الكريم كاصد على حائطه الفيسبوكي رثاء لصديقه الشاعر سركون بولص في ذكرى رحيله: "المدائح للميّت / دوماً / ودوماً / شاتموك المعزوّن / أو شاتموك الأعزاء / هم / خارج الكرنفال"؟!

حالة مزرية، حقًا مزرية، تنم عن جهل فظيع واحتفال غريب للموت، وكأننا حقاً شعوب تحتفل بالموت وتطلبه، صار الموت وحده حاكم حياتنا وحارس تفاصيلنا، الموت وحده صار يقرر متى يئن أوان احتفاء بالأعمال الفكرية والثقافية لكاتب ما، أو متى علينا أن نجهز العدّة للحديث عن مشوار شاعر مع قصائده؟!

الموت صار الحدث الأهم الذي ينعش صفحات الصحف العربية ومجلاتها، وحده يجعل مبيعاتهم تتضاعف واهتمام الرأي العام نحوهم تصبو، الموت صار هو الحدث الأهم الذي ينتظرون بشائره ليولّموا في جنازة الميت الذي وقع الحظ عليه ليكون شهيرا وموضع اهتمام خلال فترة جنازته، هي فترة مؤقتة، معدودة لأيام، فالعرب لا تتعدى أحزانهم عن ثلاثة أيام، وبعدها تطوى صحفهم سيرة الفقيد كما يطويه القبر إلى موت أبدي، إلى موت منسي من التجاهل واللامبالاة والتغييب والتهميش!

رحم الله كل الأحياء من الكتّاب والشعراء والمفكرين والمثقفين حتى يأذن الموت نبش مسيرتهم الإبداعية!

عن نفسي لن أكتب عن الموتى، سأكتب عن المتفرجين الموتى، لن أكتب عن أديب ميت بل سأبذل قصارى جهدي كي أكتب عن أديب حيّ ليحتفي بنفسه وحياة شخوصه قبل موته!.

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك