المرأة العمانية: إلى متى ستلعب دور الكومبارس في الانتخابات؟

زينب الغريبيَّة

اليوم هو الذي يترقَّب فيه العمانيون مسيرة تشكل الديمقراطية في بلادهم، هذه المسيرة الصعبة في التاريخ الإنساني، حين اخترع الصندوق والتمثيل من أجل تفويض فئة قليلة من السكان للدفاع عن مصالح الأغلبية. وفي عهد الإغريق، كان الذي يُختار لهذه المهمة هو المحارب القوي الذي يثق الجميع بقدرته على صرع الأعداء والدفاع عن المدينة ضد أي مخاطر محتملة، والمعنى لا يبعد كثيرا اليوم؛ فالذي يجب أن يختاره الناخبون هو المرشح الواعي المثقف المتعلم القادر على فهم كيف تتم علميات التشريع، وما الأدوات التي يمكن أن توظف لكشف الرقابة، إنَّه القرار الصعب لأي إنسان حين يفوض آخر للدفاع عن مصالحه، حين يختار بناءً على وعي ودراية، وتزداد صعوبة هذا القرار على المرأة العمانية التي يفترض أن تثبت استقلالية صوتهاوقرارها في اختيار من تجده مناسبا، وقادرا على الدفاع عن المصالح الخاصة الجماعية، وتلك المتعلقة بالنساء، بما تتضمنه من تشريعات وقوانين.

اليوم سوف نجد المرأة العمانية تشكل نصف الناخبين، وتقف في صفوف طويلة مثل الناخبين الرجال.. اليوم سوف تُوفَّر للنساء في كثير من ولايات عمان وسائل نقل لا تجد بعضها في الأحوال العادية للذهاب إلى المستشفى أو الجامعة أو السوق، أو إلى المدرسة التي يقام فيها الانتخاب للسؤال عن وضع ابنتها في المدرسة، بل إنها قد تنتظر أسبوعا كاملا ليسمع لها الرجل، يحدث هذا لأن صوت المرأة اليوم هو الذي سيحسم الانتخابات لهذا المرشح أو ذاك، ولنا أن نتخيَّل لو لم تقم النساء غدا بالتصويت، كيف سترتبك حسابات كثير من المرشحين، وسوف تتغيَّر النتائج؛ حيث ينجح من توقع خسارتهم، ويخسر من توقع الجميع فوزهم.. إنَّها القوة النسائية الكبرى غير الموظفة في الشأن العام.

أكتب هذا المقال وأعلم أنَّ غالبية النساء العمانيات اللاتي سيتجهن للتصويت اليوم، لن يذهبن للتعبير عن إرادتهن الحقيقية وخيارهن المستقبل، بل لتنفيذ إرادات أخذت في مجالس ونقاشات لا يعرفن عنهن شيئاً، ودون أن يأخذ برأيهن؛ مما يشكل تناقضا كبيرا جدا حين أصبح قرار الزواج المهم جدًّا يؤخذ رأي المرأة فيه ولا تتزوج إلا بحريتها ورغبتها، بينما أصبح قرار الانتخاب لا رأي للمرأة فيه، هل لأن المرأة كما كشفت كثير من الدراسات لا تعنيها السياسة ونقاشاتها ومجالسها، بقدر ما يعنيها شأنها الخاص من أسرة وأولاد؟ ربما يكون هذا أحد تفسيرات هذه الحالة المتناقضة التي تعيشها المرأة العمانية التي حصلت على حقوقها السياسية قبل غيرها من نساء المنطقة، لكن يبدو أنها تواجه صعوبات كبيرة في ممارستها باستقلالية في مجتمع لا يمانع في عمل المرأة في أي مكان حتى في المقهى، ولكن يمانع ويرفض بقوة أن تمثله المرأة في مجلس يتعلق بصياغة سياسات للشأن العام، ونتيجة لذلك أظهرت الاستطلاعات والتحليلات التي قمنا بها في مجلة الشورى (8) أنَّ النساء لا يعرفن المرشحين ولا يتابعن برامجهم الانتخابية، وكثير منهن أقر بأنها غير مستقلة في قرار التصويت، إنما هي تابعة لزوجها وأسرتها.

أكتب هذا المقال قبل يوم التصويت الذي آمل أن تكون تلك الطوابير من النساء معبرة عن إرادة وقناعات واعية بدلاً من أن تكون منساقة لرغبات غير واقعية أو عقلانية في ممارسة شأن ديمقراطي على قدر كبير من الأهمية.. لقد تابعتُ كلَّ النقاشات التي درات خلال الأشهر الماضية حول مشاركة المرأة وقدرتها على المنافسة، ولزمت الصمت حيالها؛ لأنها كانت بعيدة عن طرح جوهر المشكلة التي تعاني منها المرأة العمانية، وتعيق مشاركتها السياسية الواعية، وهو الوعي والاهتمام بالسياسي؛ فالمرأة العمانية غائبة عن المشهد تماماً، وكل التوصيفات التي قيلت في الأمر هربت من الحقيقة وهي أن المرأة لها الخيار في الترشح ولكن ليس لها الخيار في التصويت، مهما دافع كثيرون عن عدم مصداقية مثل هذا الطرح، إلا أنَّ الواقع يقول عكس ذلك، وإن وجد نشاط وفرق نسائية كبيرة في هذا اللحظة فهي من أجل تنفيذ قرارات اتخذت لدعم مرشحين آخرين.

... إنَّ هذا الواقع يلقي بظلاله على انتخابات اليوم، وأيضا على قدرة المرأة على المنافسة، ويبدو أن سلاح الكفاءة استخدم بطريقة فعالة في إقناع المرأة، التي تردِّد ما يقول آخرون بشان الكفاءة التي لا تزال مفهوما مطاطا يوظَّف لإقصاء محاولات المرأة في التصدي لهذه المجالس، ويمكن أن يكون الواقع النسائي المؤسساتي يعيش حالة من التشظي والتوهان تعيقه من أن يكون عاملا قويا في جعل المرأة قادرة على المنافسة والحفاظ على استقلال صوتها أو الدخول في تحالفات مع القوى الاجتماعية الفاعلة من أجل ضمان مقاعد مقابل مشارتها، إنَّها اللعبة السياسية التي لا تتقنها المرأة حتى الآن؛ فالمرأة حسب تصريحات بعض المرشحات هي إحدى العقبات الكبرى في نجاح المرأة، يحتاج المجتمع النسائي العماني إلى وقت طويل لإعادة تنظيمه نفسه سياسياً، ولا أرى أنَّه في الوقت القريب يمكن تحقيق ذلك، لكن لابد من العمل على التغيير وبناء الكفاءة وتعزيز المقومات؛ من أجل مشاركة قوية للمرأة في تسيير هذا المجتمع توازي قوتها في تسيير بيوته وأوضاعه الاقتصادية ومؤسساته.

وفي ختام هذا المقال، أقول للمرأة الناخبة وهي تقف في الطابور في انتظار دورها للتصويت: تأملي في المشهد، هل يمكن لهذا الجمع الكبير أن يعمل من أجل تحسين جودة أداء هذه المدرسة من أجل تخفيف القلق بداخلك على أبنائك؟ هل سيعملون من أجل توفير مطلب بسيط وهو حضانات لتضعي فيها طفلك قريبا منك حتى لا تقلقي عليه وهو في البيت طوال اليوم مع عاملة المنزل؟ هل سيناقش قوانين متعلقة بعاملات المنازل اللاتي يقلقن كل من يقف معك في الطابور؟ هناك قضايا أنت وغيرك من يعاني منها لكن لا أحد يلتفت ويكترث معك وفي مقدمتهم المرشح الذي أُخذ صوتك منك عنوة من أجله؟ فإلى متى تلعبين دور الكومبارس في هذا المشهد الذي يتكرَّر في أكثر من مكان؟ سؤال لكُنَّ أيتها النساء العمانيات في هذا اليوم الانتخابي...!

تعليق عبر الفيس بوك