تداعيات الأزمة الرأسمالية على الطبقة العاملة

فهمي الكتوت

مع اقتراب موعد رفع سعر الفائدة على الدولار الذي حدده مجلس الاحتياطي الأمريكي قبل نهاية العام الحالي، برزت ردود أفعال متباينة إزاء القرار المرتقب، فقد حذرت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي من انهيار الاقتصاد العالمي في حال رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة على الدولار. وأوضحت؛ ان الاقتصاد العالمي ينمو بنسبة 3.1% قياساً بـ 3.4%في العام الماضي 2014، مشيرة الى ان الاضطرابات التي تشهدها الأسواق المالية قد زادت، في حين انخفضت آفاق النمو على المدى المتوسط. في حين أعلنت جانيت يلين رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي ان البدء في رفع أسعار الفائدة هذا العام معقول من اجل ابقاء السيطرة على التضخم.

فقد واصل الاقتصاد العالمي تراجعه تحت تأثير الأزمة. حيث بلغت نسبة نمو الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الخمس الأخيرة 2010-2014 (5.2%، 4%، 3.2%، 3%، 3.3%، 3.4) على التوالي. وعلى الرغم من اتخاذ المراكز الرأسمالية سلسلة من التدابير والاجراءات الاستثنائية التي اتبعتها لإخراج اقتصاداتها من الأزمة وتداعياتها، خلال الاعوام الثمانية الماضية، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها. وكان من أولى الإجراءات؛ ضخ مليارات الدولارات في الشركات المتعثرة، التي أدت الى ظهور أزمة العجوزات المالية في موازناتها، وتفاقم ازمة الديون السيادية، مرورا بسياسات التقشف بتحميل المواطنين اعباء الأزمة، وتعريض العمال والفقراء المهمشين لإجراءات تقشفية واسعة، تمثلت بزيادة الضرائب غير المباشرة وتخفيض الرواتب والمعاشات وتقليص الانفاق العام على الخدمات الاجتماعية والصحية، والتي أدت إلى بروز ظاهرة الركود التضخمي، بسبب تآكل الأجور وتراجع القدرة الشرائية واتساع دائرة الفقر. والتي أضحت السمة الغالبة للمراكز الرأسمالية تباطؤ وتيرة التضخم بسبب تراجع الطلب.

كما اتبع البنك المركزي الأوربي السياسات الأمريكية الخاصة بحزمة السياسات التحفيزية خلال العام الحالي 2015، والتي عرفت بسياسة التيسير الكمي بشراء المركزي السندات والأوراق المالية من البنوك لتوفير السيولة، وينطوي التيسير الكمي على مجازفة خطرة منها؛ طباعة الأوراق النقدية التي تسهم بأضعاف قيمة العملة المحلية، واغراق الأسواق بالنقود لتحفيز المستثمرين على الاقتراض، وقد أدت هذه السياسات إلى تراجع قيمة اليورو، كما جاءت هذه السياسات في ظل فائدة صفرية.

لم تفلح هذه الإجراءات في إنقاذ الاقتصاد الرأسمالي في الخروج من الأزمة، وقد عبر عن ذلك بوضوح أحد خبراء الاقتصاد الرأسمالي المخضرمين؛ رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي السابق بن برنانكي، الذي انتقد نفسه لعدم بذل المزيد من الجهد لشرح المصلحة العامة في إنقاذ الشركات المالية التي ساعدت بشكل كبير في التسبب بالأزمة، في تصريح له الأسبوع الماضي؛ معتبرا أن "أكثر المديرين التنفيذيين للشركات يجب أن تتم مقاضاتهم على أفعالهم التي أدت إلى الأزمة المالية لعام 2008، وتحدث عن الأزمة المالية قائلا: "أعتقد أن هناك احتمالا كبيرا يمنع استقرار النظام المالي، وأننا يمكن أن نذهب إلى كساد على غرار الكساد الكبير في 1930".

ويُعتبر العمال والفقراء ضحايا السياسات الرأسمالية، فقد كشفت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية أن الولايات المتحدة تضم أعلى نسبة مشردين من النساء والأطفال بين نظيراتها من الدول الصناعية. وجاء في تقرير أصدرته الوزارة مؤخرا بالتعاون مع جامعة "فاندربيلت" أن عدد العائلات المشردة في الولايات المتحدة شهد ارتفاعا كبيرا في السنوات الماضية. وتظهر بيانات مركز القانون الوطني لمكافحة التشرد والفقر -مركز أمريكي غير حكومي- أن نحو ثلاثة ملايين يعيشون تجربة التشرد سنويا في الولايات المتحدة. بينهم مليون و350 ألفا من الأطفال، ولا يستطيع مليون من العاملين بدوام كامل أو جزئي في الولايات المتحدة تلبية كلفة السكن.

وفي المقابل، يستحوذ أغنى 1% من الأسر في العالم على نصف الثروة، وفقا لأحدث التقارير الصادرة الأسبوع الماضي عن "كريدي سويس" وأن أفقر 50% من سكان العالم يمتلكون 1% فحسب من إجمالي الأصول. ان سياسات الاحتكارات الرأسمالية المبنية على تمركز الثروة، والاستغلال البشع للطبقة العاملة والمهمشين مسؤولة عن استمرار الأزمة المالية والاقتصادية في النظام الرأسمالي.

وقد شهدت البلدان الرأسمالية مسيرات غاضبة واضرابات واسعة احتجاجا على سياسات الاحتكارات الرأسمالية. وكان اخرها الأسبوع الماضي في برلين التي شهدت مئات الالاف من الالمان في مسيرة احتجاج على خطط ابرام اتفاق للتجارة الحرة بين اوروبا والولايات المتحدة، التي ستضعف معايير سلامة الغذاء والحقوق العمالية والبيئية. وقال منظمو المسيرة، وهم تحالف من جماعات بيئية وخيرية واحزاب معارضة، ان ربع مليون شخص يشاركون في المظاهرة المناهضة لاتفاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وكندا وهم أكثر كثيرا مما كانوا يتوقعون. وقد اشتدت المعارضة لما يعرف باتفاق الشراكة التجارية والاستثمارية بين جانبي الاطلسي خلال الاثني عشر شهرا الماضية في المانيا ويخشى المنتقدون ان يؤدي الاتفاق الى منح الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة كثيرا من النفوذ على حساب المستهلكين والعمال.

تعليق عبر الفيس بوك