وضعنا الاقتصادي والمخرج الإيجابي الملح

عبدالله العليان

طَرَح العديدُ من الكتاب والمهتمين بالوضع الاقتصادي والمواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة، مسألة الظروف الاقتصادية الحالية لبلادنا، بسبب انخفاض أسعار النفط، وما هى الخطوات الإيجابية التي تُسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني؟ وما هى الحلول الناجعة لمعالجة الوضع الاقتصادي، والمخارج التي يرونها ضرورية؟ إذ لا شك أن المواطن يهمه الاستقرار المالي للدولة في كل الظروف. وكما تقول الأمثال العمانية: "الدولة للمواطن، والمواطن للدولة"، فكلاهما سند للآخر في الملمَّات والتحديات التي تحصل في عصرنا الراهن، وهذه من طبيعة إقامة الدول ومؤسساتها الأخرى، ومهامها في توطيد الركن المادي والمعنوي لها، وتأسيس المواطنة، والنظم القانونية التي تحكم هذا الكيان المعنوي، ومَنْ يُقيم فيه، وفق القوانين السائدة، لكننا نرى أنَّه لما تأتي الظروف الاقتصادية، ويحصل انخفاض لأسعار النفط، أو حالات من حالات الظروف الاقتصادية غير المتوقعة، وفق التغيرات المالية العالمية، فإننا نجد عندما تحصل الظروف الاقتصادية، نرى الخطوات والحلول تركز على ما يلمسه المواطن في معيشته، ولم نسمع غيره حتى الآن؛ منها مثلا: وقف الترقيات، وقف التقاعد الجديد الذي من المفترض أن يكون قد تم تطبيقه، والآن نسمع أيضا عن توجهات لوقف الدعم عن الوقود، ولا ندري ما هى الأسس التي سيتم اتخاذها في هذا الشأن؟ وهل أخذت فئات ذوي الدخل المحدود في الحسبان؟ والذي نريد قوله في هذا المضمار، أنَّ هناك مجالات تحتاج إلى تقليص، وإعادة نظر للترشيد ولتخفيف الإنفاق على الموازنة العامة للدولة؛ فمثلا هناك آلاف السيارات الحكومية في كل القطاعات، وتكلف الدولة ربما مئات الملايين سنويا، من محروقات، ومن صيانة، ومن الشراء سنويا ضمن المخصصات لبنود المركبات، وهذه تحتاج إلى إعادة نظر بجدية، عدا بعض المركبات التي لها مهام لابد منها، وهى محدودة بطبيعة الحال، والتطبيق الثابت لعلاوة المركبات كما هو مُثبَّت في أنظمة الخدمة المدنية، أيضا هناك كليات عديدة تابعة لوزارة القوى العاملة في العديد من المحافظات والمناطق العمانية، فلماذا تُشرف وزارة القوى العاملة على الكليات؟ أليس أجدر وأقرب للإشراف على هذا الكليات وزارة التعليم العالي؟ وهذه من مهامها الأساسية؛ سواء من حيث الإدارة العلمية، ومن حيث توفير الكثير من الأعباء المالية والأكاديمية، ثم إنَّ وزارة القوى العاملة لها مهام ومسؤوليات كبيرة تجاه التعمين، والعمالة بصفة عامة، وهى مهمة كبيرة وليست سهلة، ومشكلاتها الجميع يعرفها، خاصة غير الوطنية، وتترك الكليات هذه للوزارة المعنية وهى أحق وأجدر بهذه المسؤولية وتضاف كلية التقنية إليها، وكذلك لتخفيف الأعباء المالية للدولة من خلال موازنات هنا وهناك! أيضا، تقام هناك في فترات كثيرة المؤتمرات والندوات والمعارض خارج وداخل السلطنة بصفة دورية في كل عام، وهذه تحتاج إلى التقليص مُؤقتا بسبب هذه الظروف، حتى تستعيد الموازنة العامة للدولة عافيتها للظرفية القائمة، لكن دورات التأهيل للموظفين الجدد تستمر، لكن أن تكون عملية وميدانية، وأيضا هناك الكثير من المصروفات غير المهمة وغير الضرورية تحتاج إلى مراجعة مؤقتة أيضا وفق تقديرات الجهات المختصة، حتى بعض المشاريع غير الحيوية التي لم تبدأ بعد يُمكن أن تتوقف مؤقتا، المهم أن تتحقَّق المرونة والتوازن وإتاحة الفرصة والخيارات المناسبة في هذه الظروف، كما تقتضيها حكمة بلادنا وتدرجها، وكما هى سياسة جلالة السلطان قابوس -حفظه الله- التي عُرف عنها التدرُّج المحسوب والانطلاقة الواعية. وللأسف، الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020، لم تطبق بصورة جيدة في مضمونها العام، مع أنها من حيث الأفكار رائعة لاشك، ولكن هذه الأهداف والمضامين التي طرحتها، لم تحدد بصورة تفصيلية من حيث وضع رؤية واضحة لتحقيق تلك الأهداف في كل خطة خمسية لتتواكب مع المتغيرات والتحولات، وعلى أسس مرحلية، ووفق المستجدات الاقتصادية، كما لم تضع خطوات للإنجاز بصورة محددة، ولم تعالج مسار هذه الخطة الطويلة، لمواجهة التغيرات والتحولات الاقتصادية في العالم أيضا؛ مثل: انخفاض أسعار النفط. لكن هذا للأسف لم يتم، وبقيت مجرد رؤية جميلة من حيث الأهداف العامة، لكن لم تلامس الواقع وتحدياته، بل إنَّ بعض سياساتنا الاقتصادية كما وضعتها لم تقترب كثيرا من التنمية البشرية، وقضايا التوظيف وأهمية التأهيل (آنذاك)، الذي يُواكب الخطة نفسها؛ ومنها على سبيل المثال: قضية التنمية المستدامة، ومسألة تنمية الموارد البشرية، والتوازن بين أمن الفرد الاقتصادي، وأمن الدولة القائم على الدافعية الاقتصادية، وحراكها لصالح المواطن في كل نشاطاتها. وهذه إشكالية نجمت عنها الكثير من السلبيات التي كانت نتيجة من نتائج الإخفاق في تغييب العنصر البشري في بلادنا، وتنميته وتأهيله وتعليمه، والتعليم الذي يحقق تنمية بشرية فاعلة دون النظر بجدية إلى مستقبل الفرد واحتياجاته، وإلى أمنه الوظيفي، حتى ظهر تراكم الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل، لكنَّ قرارات جلالته المفدى في العام 2011، أنجزت ما أخفقت فيه الرؤية المستقبلية ما يقرب من 15 عاما في مجال التوظيف، وهذه من أسباب الإخفاق في وضع رؤية اقتصادية تهتم بأمن الفرد الاقتصادي، ونأمل أن تكون الرؤية المستقبلية العمانية 2040، في تحقيق الأهداف والخطط المرجوة، بما يُعزز التطوير والتخطيط السليم، بصورة شاملة، مع المتابعة لسير هذه الخطة المستقبلية، وبلادنا تحتاج إلى خطط تستلهم الواقع البعيد عن التنظير والأفكار الرائعة، دون أن تلتمس الواقع، وتطوراته وتحولاته، والنظرة الكاملة للتنوع الاقتصادي الذي تحدثت عنه الرؤية المستقبلية 2020، دون أن تتابع التطورات، والمخرجات، والتأهيل العلمي...وغيرها من المستجدات الداخلية والخارجية، وقد أحسنت صُنعا جهات الاختصاص عند تشكيل اللجنة للخطة المقبلة، أنها عندما طرحت هذه الفكرة المستقبلية، قامت بمشاركة فئات المجتمع في اللجنة، وهذا في حد ذاته خطوة إيجابية؛ لأنَّ الأفكار والخطط الأحادية عادة لا تستوعب الكثير من الأفكار التي قد تكون غائبة عن جهات بعينها دون المشاركة الواسعة، ولغياب الأفكار الأخرى التي لها صلة بالموضوعات المطروحة؛ لذلك فإنَّ مشاركة المؤسسات والهيئات والأفراد يُفسح المجال لعدد كبير من الآراء الجيدة والفاعلة.

والحقيقة أنَّ الحاجة ملحة الآن للمراجعة الجدية للخطط الاقتصادية والتفكير الاقتصادي القائم على توازن الخطط، والاهتمام بالتنمية البشرية، والاهتمام بالتنمية المستدامة. والأهم من كل ذلك: الارتقاء بالتعليم الذي يؤدي إلى الكفاءة الإنتاجية، والتنمية الحديثة؛ فالتعليم الجيد هو الذي يحقق تنمية قوية ومخرجات قادرة على العطاء الناجح، في كل المجالات، وهى التنمية البشرية المؤهلة تأهيلاً عالياً لتقود تنمية وطنية تسهم في النمو الاقتصادي وإنتاجيته، وهو ما سيسهم في تحقيق التوازن بين دور الفرد كفاعل في التنمية، وبين الغاية التي تريدها الدولة من زيادة انتاجيتها، وهذا ما سنأمله في الرؤية المقبلة بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك