هل سيكترث المسؤول عن إسكان طالبات الكليات هذه المرة؟!

زينب بنت محمد الغريبية

نشرت العام الماضي بتاريخ 21/9/2014م، مقالاً بعنوان (طالبات في شباك أصحاب العقارات، فمن المسؤول؟) تحدثت فيه وباستفاضة عن مشكلات طالبات الكليات والجامعات الخاصة في الثكنات خاصة في العاصمة مسقط وما يقرب منها، وكان استعراض المشكلة بطلب من الطالبات أنفسهن بأن أعرض قضيتهن، واحتوى المقال على وصف دقيق على ألسنة طالبات يُعانين من غلاء الثكنات وسوء الخدمات المقدمة إلا أنّه لا مجيب ولا صدى لذلك الكلام، بل إنّ الحال يزداد سوءًا، وزاد إصرارهن في الطلب مني أن أكتب مجددا، وأن أُذكِّر المعنيين بالموضوع.. فهل من مجيب هذه المرة.. فأعود وأعرض القضية مجدداً..

بدأ العام الدراسي لطلاب الكليات والجامعات الحكومية والخاصة، وبدأ معهم تأهب أصحاب العقارات والمؤجرين لحصاد النصيب الأكبر من الذهب الذي يدُرّه الطلاب، الآتون من أسر محدودة الدخل في الغالب،جاؤوا من محافظات السلطنة المختلفة ومن القرى النائية، فرحين بالفرص التعليمية التي منحتها إياهم الحكومة الرشيدة، في الكليات والجامعات الخاصة والحكومية، فيكتشفون عند وصولهم أنّ الدراسة مكلفة مع أنها مجانية، لماذا؟

يظهر هنا شبح السكن، وما يرافقه من احتياجات الطلبة من أكل ومواصلات واتصالات، واحتياجات شخصية، إلا أنّ الوضع ليس كما نتوقع بأن "يمد كل شخص رجليه بقدر لحافه"، فالجميع عليه أن يدفع الكثير للسكن وملحقاته مهما اختلفت ظروفه المادية، وكم من طلاب لم يذهبوا للدراسة بسبب عدم المقدرة على الدفع. حديثي هنا ليس عن قضية الدفع اليسير، وأن عائلة الطالب لا تستطيع دفع اليسير له، بل الوضع تعدى ذلك لوضع الاستغلال، الذي يلحق بالطالبات الإناث من قبل أصحاب العقارات تحت مسمع ومرأى الجميع من المسؤولين والمختصين، وكأنّهم لا يرون أو يسمعون شيئا.. وربما لمصالح مشتركة في بعض الأحيان.

كنت أسمع عن الموضوع إلا أنني لم أتوقع أنه بهذا الحجم وهذه المأساوية إلى أن أتى لزيارتنا أحد أقاربي مرافقاً لأخته لتسجيلها في السنة الأولى في إحدى الكليات الخاصة بمسقط، حدثني عن أنه يبحث لها عن سكن، ولكنه انصدم بأسعار الثكنات مقارنة بالوضع الذي تكون عليه الطالبة، فمن الممكن أن تضم الغرفة فتاتين أو أربع أو ست أو حتى ثماني فتيات، وغرفة ليست بالمساحة الكبيرة، وفوق هذا تدفع الطالبة في الغرفة ذات الست طالبات (70) ريالاً، يا إلهي هذا المبلغ لكل فتاة، بمعنى أن إيجار الغرفة الواحدة (420) ريالا،هذا وتدفع أكثر من هذا المبلغ كلما قل عدد الفتيات في الغرفة، وتلك الشقة تحتوي على ثلاث غرف، ولكم أن تحسبوا إيجار الشقة الواحدة، ومع العلم بأنّ السكن يخلو سوى من أسرَّة وخزانات للملابس، وبدورات مياه مشتركة لا تتعدى اثنتين في تلك الشقة، لذلك العدد الكبير من الفتيات، وهذه فقط شقة واحدة في تلك البناية التي يملكها، وهي عمارة ليست بالبناء الحديث أو الراقي، فمكوناتها وتشطيباتها من الأشياء التي ممكن تحسب من فئة النجمتين أو النجمة الواحدة فقط، فلما هذه الأسعار؟ إذا ما حسبت بأنّها لا تحتوي على أي خدمات أخرى من أكل أو غسيل ملابس أو مواصلات. هذا السعر فقط للسكن.

لم أتوقف عند حديثه فأحببت أن أرى الواقع خرجت إلى الفتيات استطلع الموضوع، هل هو بهذا الشكل المأساوي حقاً! قابلت العديد منهن لأنقل الصورة من واقعهن وبألسنتهن، واتفقت الطالبات على نفس الكلام بأنّ الأسعار مرتفعة جدًا، وفق طاقة أهاليهن، وأن بعضهم يعمدون إلى الدين لتلبية مصاريف السكن وسأعرض هنا لبعض المقابلات مما يتسع له حيز المقال.تقول أمل:" سأتكلم بشكل خاص عن ثكنات البنات في الغبرة كوني أسكن هناك... نظام ثكنات الطالبات هنا نظام شقق،فكل طابق فيه 4 شقق وكل شقة تتكون من(3) غرف ودورتيمياه ومطبخ، كل غرفة تؤجر ب160 ريالا، وإذا كانت الغرفة رباعية يكون الدفع 40 ريالاً لكل طالبة، وطبعاً تختلف في حال كانت ثلاثية أي إيجارها يكون أكبر، وطبعا البنات يفضلن نظام الغرفةالرباعية لأنّها الأكثر مناسبة من حيث السعر المعروض،والمشكلة أندورة المياه واحدة،وهنا نواجه صعوبة وقت الصباح أثناء الاستعداد للدوام..أما المشرفات..فعددهن قليل فهناك مشرفة واحدةعلى بناية كبيرة، منالصعب عليها أن تغطي الأعدادالكبيرةللفتياتفي العمارة، إضافة إلى أن هؤلاءالمشرفات غير مهتمات، أما الباصات فلا نظام لها ونعاني منهافإنّ توفرت فلا يوجدالتزام بمواعيدنا للدوام،ناهيكعن حاجاتنا الطارئة أحيانا مثل وجود حالات مرضية في الليل لا يوجد باص مناوب مثلاً،أليس من المفترض أن يُعيِّن لنا صاحب العمارة مواصلات لحالات الطوارئ ونحن ندفع كل هذه المبالغ. وليس هناك شروط لمواقع ثكنات الفتيات فكل العمارات للفتيات فيأماكن ازدحام تجاري، وفوق هذا لا يوجد اهتمام بأمور الصيانة من أثاث وأدوات صحية وكهربائية.والوضع بطبيعة الحال لا يساعد على المذاكرةفلا توجد"صالة جلوس"أو "حوش"لضيق الغرف فقط تتسع للأسرَّة وخزانات الملابس.. والغير مريحأنه من الممكن جمع الطالبات والموظفات في غرفة واحدةفلا يكون هناك انسجام لاختلاف متطلبات كل منهن وطبيعة حياتهن".

وتقول عبلة:" ثكنات الطالبات نوعان نظام شقق ونظام غرف بالنسبة لثكناتنا تشمل النوعين وفي كل شقة يوجد(3)غرفومطبخ وكلغرفة بحمامها، وطبعاًيختلف سعر الغرف حسب عدد الطالبات الموجودات في الغرفة،فبالنسبة للسكن الذي أعيش فيه في الخويرتدفع الطالبةللغرفة المفردة 250ريالا، وللغرفة الثنائيةتدفع كل طالبة 100ريال، وللثلاثية 75 ريالا،وللرباعية65، وللخماسية55 ريالا،وللسداسية 50 ريالا،ويوجد سداسيات ب55 ريالا،وثمانيات ب 45 ريالا. والمكان غير واسع وغير مناسب للمذاكرة فالغرف أصلا غير مهيئة لوضع طالبات ومتطلباتهن من مذاكرة وجو مناسب للعلم.

أما أماني فتعبر عن رأيها وهي في ثكنات الحيلبقولها:"أسكن في غرفة ثلاثية أي نحن ثلاث طالبات نشترك في غرفة واحدة، كل واحدة تدفع 125 ريالا شهريا وهي رسوم شاملة للنقل"

وتضيف أميرة عن ثكنات الطالبات في صحار :"الثكنات- بكل صراحة- معاناة،فالتكلفة عالية علىالطالبات، ومن المؤسف أنه يزيد سعرها كلما كانت أقرب من موقع الجامعةأو الكلية، مما يدفعالكثير من الطلاب للسكن بعيداًبحثًا عن سعرا أقل. وتضطر الطالبات للسكن في غرف مشتركة مع 4 أو5 أو6 أخريات من القدرة على الدفع،متحملة في سبيل ذلك الإزعاج في فترة المذاكرة والنوم فلا راحة لنا في الثكنات، وزيادة علىذلك وضع دورات المياه المشترگة بين عدد كبير من الفتيات أمرمزعج بصورة گبيرة. والأمر الأصعب في موضوع الثكنات الأكل والشرب، فلا يوجد فيأغلب الثكناتمطابخ أو أن الطبخ ممنوع، فتضطر الطالبات للطلب من المطاعم أو الاعتماد على الأكل المعلب، مما يؤثر سلبا على صحتنا من ناحية، ويثقلنا ماديا من ناحيةأخرى.فكل ما لدينا نضطر لدفعه للأساسيات من سكن وشرب وأكل،ولا نستطيع تحمل مصاريف واحتياجات الدراسة الأخرى مثل الكتب ونسخ أوراق وغيره لأغرض الدراسة، إلا أننيسأكون إيجابية وسأقول إنّ حياة الثكنات تخرج "حريم" قادرات على تحمل الحياة القاسية ومتحليات بالصبر والقناعة"

أي جشع هذا الذي يعمي عيون أصحاب العقارات، لاستغلال الطالبات في الغالب من أسر محدودة الدخل، استغلال مخزٍ؛ لأنه مصحوب بواقع مرير من سوء خدمات مقدمة إن وجدت أصلاً، وأين المسؤولون من وزارة التعليم العالي، ومن الكلياتالحكومية والكليات والجامعات الخاصة ومن وزارة القوى العاملة عن شؤون الطلبة، كيف نسمح لمثل هؤلاء بالعبث في الساحة بهذه البشاعة، نهتم لقضايا أخرى من تشكيل لجان، وفرق للمشاريع الخدمية، وننسى الإنسان، ننسى طالبات قاصرات تخرجن من الدبلوم العام، ليخرجن من بيوتهن من القرى والولايات، ويعشن في مدينة كمسقط وصحار وصلالة ونزوى، في غربة، ويتكبدن كل هذه التكاليف بلا رعاية ولا عناية لأنوثتهن وطراوة عودهن، إلى من نوجه هذا الأمر؟ وهل سدت السبل للتكفل برعايتهن؟

كان الأحرى إعطاء الموضوع لشركات تتعهد بعقد موثَّق على توفير السكن الإنساني المناسب وفق اشتراطات توفير الراحة للطالبات تشمل المواصلات والتغذية وخدمات الطوارئ، وتهيئة أماكن مناسبة لهن للمذاكرة، وتحديد عدد المشتركات في الغرفة حسب مساحة الغرفة، وتوفر عدد دورات مياه تناسب العدد الموجود من الطالبات، وتوفير مشرفات سكن بعدد كاف لرعايتهن اجتماعياً وأمنيًا، وتوفير حراس أمن على بوابات الثكنات، واختيار مواقع مناسبة لهن بعيدا عن الثكنات المزدحمة بالعمالة الوافدة وثكنات الذكور. وبأسعار مناسبة لكل فئات المجتمع، ولا توجد مشكلة في دعم الحكومة لمثل هذه الثكنات، فهذه فئة من المجتمع تستحق العناية.

ها أنا أعرض قضيتهن للمرة الثانية، أتمنى أن تجد صداها، وأن يتم إنقاذ بناتنا جواهرنا من هذا الحال، وأن يسعى المسؤولون عن هذا الموضوع لإيجاد الحلول لها، وتعيين من يهتم بمتابعته ومحاسبته، فكل فئة في المجتمع تستحق أن نقف معها وونظر إلى متطلباتها، ونرفق بحالها، ونساعدها لتعيش بشكل أفضل.

Zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك