الراقصون فوق القمم

أحمد الرحبي

القمة هي دائمًا حافة خطرة لابد من معايشة التهديد الدائم بالسقوط من فوقها وتوقع حدوثه في أية لحظة، ولا يمكن أبدًا الاستغراق كثيرًا في نشوة الوصول للقمة، لأنّه بالأساس ليست هناك قمة دائمة لأحد، ما لم يكن الطموح في حالة استنفار دائم للدفع بالخطوات لتخطي نقطة الوصول إلى القمة، إلى نقطة أخرى أكثر علوًا في ذرى القمة التي ليس لارتفاعها حد معين.

يمكننا وصف القمة بأنها شرفة فاخرة، منصة ملكية، تقع على شفا هاوية سحيقة، والطموح هو دائمًا المحرك الذي يدفع بالطامحين للوصول إليها يدفع بهم دفعاً لمشارفة القمة، بناء على ذلك هل يمكن وصف الطموح بأنّه ليس سوى بعض أعراض دوار القمم والحافات الخطرة؟.

إنّ الأكثر طموحًا من لا يستسلم مستقرًا في جلسته على القمة ولا ينخدع بحالة الاستقرار فوق ظهر هذه المهرة العنود، فإنّ القمم الشاهقة دائمًا لا تتيح مجرد موطئ قدم فوقها، إلا لمتسلق عنيد، لكن دائمًا ما يعتبر حبل الإرادة والطموح قصيرًا ومعرضًا للانقطاع الدائم مع الجهد المبذول للوصول إلى الارتفاع الشاهق للقمة، والطريق الواصل إلى القمة هو دائماً ما يعتبر باتجاه واحد لا مجال لعودة اختيارية فيه، فهو بلا خط رجعة قد يُساعد في تأمين أية حركة تقهقر تكتيكي للخلف والعودة إلى الأسفل.

وحتى في حالة الوصول إلى القمة ومشارفتها، من الصعوبة بمكان الاحتفاظ بوقفة مستقيمة منتصبة القامة دائماً فوق ذراها، فلابد من ممارسة نوع من التوازن الحرج، توازن يدوزن الخطوات للحركة الدائبة هناك على الحافة، وأبعد من التوازن والدوزنة، على الراقص الطموح هناك في الأعالي أن يختصر خطواته في خطوة واحدة، أن يضع ثقته كلها في قدم واحدة لا بد من الرقص، الرقص المجنون بقدم واحدة، هناك دائمًا خطوة واحدة تدوزن كل شيء مشكلة هذه الخطوة الراقصة صمام الأمان الذي يؤجل السقوط في الهاوية لا رفاهية لخطوتين أبدًا هناك في عش النسور والعقبان.

لذلك ليست القمم متاحة أبدًا للعرج والطروح والأقزام روحياً، هي بعيدة المنال لهؤلاء والوصول إليها صعب إذا لم يكن مستحيلاً بالنسبة لهم، فهؤلاء ليسوا مؤهلين أساسًا للصعود إلى الأعالي وتنسم هواء القمم الشاهقة، إنّهم لا يملكون الروح والدافع حتى لرحلة خطرة شجاعة كهذه، ولا يملكون الجرأة المتطلبة دائماً لصعود القمم، مهما منتهم نفوسهم بذلك فهم لا يستطيعون الصعود بنفس الشجاعة والإقدام، ولا بنفس التصميم والهمة لشجاع تحدى كل العثرات والمصاعب، والذي بدا الأمر بالنسبة له عندها مستحيلاً للوصول للقمة، صعب التحقق، لكنه برغم ذلك كسر كل المستحيلات، أما هؤلاء الطروح والأقزام فإنّهم فقط مجرد متسلقون كسالى، انتهازيتهم هي التي تجعلهم ينجحون في التسلق والوصول إلى القمة والقفز فوقها دونما جهد يذكر أو تضحية شجاعة في السبيل إلى القمة، لكن برغم ذلك الوصول، يعتبر هؤلاء أكثر الساقطون من القمم وأكثر المنحدرين من ذراها الشاهقة إلى الحضيض، لأنّه مهما يكن الوصول إلى القمة سهلاً في بعض الأحيان، إلا أنّ الاحتفاظ بخطوة ثابتة وراسخة على رأس القمة يعتبر صعباً، فهو هذا الثبات والرسوخ في الوقوف على القمة بقامة منتصبة تقف بثبات راسخ لا تزل لها خطوة في منزلقات الذرى ومنحدرات الحواف الخطرة التي تصيب بالدوار، منوط فقط بالشجعان الذين جبلت أرواحهم على عشق الأعالي وتنسم هواء القمم، هناك في الذرى الشاهقة للطموح الذي ليس له حدود.

تحرك إلى الإمام لا تتصالب هكذا أيها الحمار، الطريق لن تفسح لك مكاناً في المرتقى إلى الذروة وأنت على ما أنت عليه من كسل وتخاذل، تقدم أيها البغل خطوة، بالكاد خطوة.

لعله لم يعتد رأسك الصلب البليد على دوار المرتفعات، ليس في عينيك الغبيتين أثر ألق الذرى، ما بال فرائصك ترتعد على المرتفعات ولا تقوى على الصمود في الطريق إلى حيث القمة.

ليس لك شموخ الأنف الذي يتنسم الهواء حرًا في الأعالي، لقد تعودت أن أوبخ نفسي بقسوة جلدًا على تهاونها ولا مبالاتها، يقول أحد الذين يستفزهم مرأى القمم الشاهقة دون أن يستطيع تحريك ساكن في الطريق الصعب الفائض بالقسوة والمكدة للوصول إلى القمة.

تعليق عبر الفيس بوك