هيبة الدولة واحترام الذات

 

 

عبد القادر عسقلان

 

يمر العالم اليوم لاسيما منطقتنا العربية بأحداث جسام ومرحلة مفصلية من تاريخ الكون، مما دفع عددًا من الدول العربية والأجنبية للتعامل معاها وفق رؤية سياسية محددة بإطار معطيات الواقع وموازين القوى..

 

تنقسم دول العالم من حيث معيار الهيبة والقوة إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو الدولة العظمى القوية، والتي تتبدى مظاهر هيمنتها من خلال سياستها الخارجيّة وأطماعها التوسعيّة، فهذه الدول ترتكز على مفهوم إظهار هيبتها، اعتمادًا على القوة العسكريّة؛ فمضت في استتخدام القوة لإرهاب الشعوب الأخرى، وفرضت سيطرتها على كل مقدراتها، بل تدخلت حتى في رسم السياسات الداخلية والخارجية للدول الضعيفة وتحديد علاقاتها مع الآخرين.

 

أما النمط الثاني فهو الدول الصغيرة والتي من أجل المحافظة على هيبتها وحماية نفسها من القوى الخارجية قبلت أن تكون تابعة لهذه الدول العظمى، فصارت خانعة تأتمر بكل ما تمليه عليها الأخيرة..

 

أما النموذج الثالث فهي دول ذات قوى محدودة، فضلت أن تتبع مبدأ الحياد، واعتبرته أسلم الخيارات للحفاظ على هيبتها، وقد اعتمدت على ثقتها في مفهومها للسياسة الداخلية والخارجية والكيفية التي يجب أن تدار بها العلاقات الدولية، ومن خلال هذا المفهوم فرضت هيبتها واحترام الآخرين لها.

 

ما سبق طرحه لا ينفصم كثيرًا عن شخصية قادة هذه الدول ومفهوم الاحترام وسلامة أمن واستقرار الدول الأخرى.. وهذا المفهوم بالطبع يتفاوت بين هؤلاء القادة؛ ومن هنا نشأ التباين والاختلاف بين هذه الدول في فهمها لمبدأ فرض الهيبة؛ فبعضها لجأ لخيار البطش بالآخرين اعتمادًا على القوة العسكرية بالدرجة الأولى فامضت بطشا وتقتيلا في الشعوب الأخرى، وتعمّدت خلق مشاكل اقتصاديّة واجتماعيّة وأمنية وقتلت وشردت الكثير من شعوب الدول، وعملت على تقسيمها وتهجيرها ومنعتها من السيطرة أو الاستفادة من مقدراتها وإمكانياتها، مع العلم أنّه كان بإمكانها مد يد العون لهذه الدول الضعيفة وتثبيت دعائم الاستقرار لها، وتحسين مستوى شعوب الأقطار النامية في العالم إذا تخلت عن أطماعها الإمبريالية ونبذت حب السيطرة والاستيلاء على مقدرات الآخرين.

 

وهنالك قادة فرضوا هيبة دولهم بانتهاج مبدأ التعاون والتآخي في علاقاتهم مع الآخرين، ولم يقفوا عند هذا الحد بل سعوا لمد يد العون وإصلاح ذات البين بين الدول المتنازعة والمساعدة في حل المشاكل بين هذه الدول، كما أنّها رفضت التبيعة لأيا كان. وانتهجت سياسة مستقلة نابعة من قناعتها ومفهومها عن الكيفية التي يجب أن تجسّر بها علاقاتها مع الآخرين، فلم تتفق مع أقرب الدول إليها على إنتهاج سياسة العدوان والاعتداء على الآخرين، ولم تشارك في اندلاع الحروب وتأجيج النزعات الداخلية في الدول الأخرى من أجل مصلحة الدول التي تبحث عن مصالحها ونهب خيرات الدول الأضعف في الحلقة أو التي تعارض سياساتها وتحاول الخروج عن جلبابها.

 

هذا النموذج السابق لم يرض أن يكون تابعًا لمحور الإمبريالية ورفضت هذه الدول تلقي التعليمات من أحد، وبذلك فرضت هيبتها وأهدافها على الجميع حتى على الدول العدائية التي ترفض هذا النهج.

 

لقد فرضت هذه الدول هيبتها من خلال انتهاج أسلوب التعايش والمحبة والإخاء وسياسة عدم التدخل في شؤون الأخرين وعدم السماح للآخرين في التدخل في شؤونها الداخلية، فصارت نموذجا يحتذى به، ولو اقتدت بها الدول الأخرى لسلم العالم كله من أقصاه إلى أقصاه من ويلات الحروب وتداعيات الإرهاب بكافة أشكاله وأنواعه..

 

إن سلطنة عمان دولة تندرج تحت هذا النوع من الدول العظيمة، والتي اتخذت من مفهوم الحياد والجوار بالحسنى مبدأ للتعامل والتعايش مع الآخر، وحق لنا أن نفخر بما تتمتع به حكومة جلالته من هيبة أمام المجتمع الدولي؛ نتيجة لسياستها التي استندت على قيم ومفهوم التسامح والمساعدة في نزع فتيل التوتر عن العالم ونشر السلم والأمن في كل اتجاهاته..

 

كما حق لنا أن نعتز بما نحن فيه من نعمة الأمان والاستقرار نتيجة للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنتهجه السلطنة من أجل تعزيز هيبة الدولة، ونحمد الله شاكرين أن جعل على رأس دولتنا قائدًا حكيما، ترفض فطرته كل أشكال التبعيّة، ويحب العدل والمساواة بين الناس وبين الدول، ويرفض التدخل في شؤون الغير ويرفض تدخل الغير في شؤون دولته، فجلالته – أبقاه الله- أرسى دعائم دولته على مبادئ العدل والمساواة والشورى المساواة بين أبناء الوطن في الحقوق والواجبات، بل امتدت أيادي جلالته الكريمة لإغاثة الشعوب الأخرى ورفع عبء المعاناة والفقر عن كاهلها، فهو قائد رؤوف يحب الخير لكل البشرية.

 

وتاكيدأ على هذا النهج وحكمة الدبلوماسيّة العمانية التي استقت بعد نظرها وحصافتها من الدبلوماسي الأول صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- أوضح معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية خلال تصريحاته الأخيرة أنّ عمان لن تكون في حلف سني ضد حلف شيعي أو العكس، فعمان بها سنة وبها شيعة، وأنّ على كل من يشن حربا لوحده عليه أن يتحمل تبعاتها. وقال معاليه أيضًا لا يمكن أن نقبل أن يقال في كتب التاريخ يومًا ما أنّ عمان اعتدت أو شاركت في حرب اليمن. فنحن لسنا تابعين لأحد في توجهاتنا أو مواقفنا، وما نراه نحن هو ما نفعله ولا نفعل ما يراه غيرنا ولا يناسبنا. كما أننا - كما قال بن علوي- نسعى لإيقاف الحروب في اليمن وفي سوريا وفي العراق وفي كل الدول العربية، ونرى أنّ الأزمات تحل بالاستماع لصوت العقل والجلوس على طاولة الحوار للتفاوض لا عبر الحروب التي لا فائدة منها سوى الدمار. كما أننا نحن لا نقف ضد أحد، ولا نكره أحدًا ولا نعادي أحدًا، ولا نفضل أحدًا على أحد وفي نفس الوقت نحن لسنا تبعًا لأحد..

 

حفظ الله قائد هذه المسيرة سلطاننا المفدى حتى تبقى عمان ماضية في سياستها الداعية إلى الإخاء والتسامح والابتعاد عن الحروب وحل المشاكل بالتفاهم والطرق السلميّة، وهي الأسس التي حافظت بها عمان على هيبتها وفرضت احترام الآخرين لها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك