تداعيات

جمال القيسي

فلنتداعى، لا بمعنى الأيلولة للسقطوط بل بمعنى تداعي الفكرة تلو الأخرى.. قليل من التداعي لا يضر ولا يضير، بل ينعش الروح والوجدان، وجدانك أنت، وروحك أنت، لا روح سواك. ووجدانك وروحك هما، لو تعلم، أصل الأشياء، لذا: كن أنتَ، كما أنت تمامًا. لا تكن سواك لحظة. لا تكن أحدًا غيرك فتشقى بتزييف نفسك؛ كل زيف ستغفره لك الأبدية إلا جريمة تزييف نفسك. لا تراقب آراء الناس فيك فتجزع فتموت همّا. فلا أنت نلت رضاهم ولا عشت كما تحب. كن الجسور وفُز باللذة. لا تجامل أحدا على حساب قلبك. قلبك أهم من البشر جميعًا.. حين يتعب قلبك لن يحس بتعبه سواك. لن يسمع نبضه الواهن أحد. اصعد اهبط ادن ابتعد أحب اكره. آمن أو اكفر إذا شئت. الله عز وجل خيّرك بين الإيمان والكفر حيث تقول الآية الكريمة 27 من سورة الكهف (..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).. لكن في كل ذلك، إيمانك أو كفرك، كن أنت ولا تكن سواك.. إياك أن تكون سواك.. لأنّك ستكون قد ضيّعت نفسك للأبد!

وهاك فانظر سيرة البشر، فأي الفريقين في سعادة وأيّهم يشقى في النعيم بجهله، الحمقى وحدهم لا يعنيهم ولا يعجبهم قول الحقيقة؛ لأنّ الحقيقة تفضح سقط متاع ولعهم السخيف بالحياة الدنيا؛ دعك منهم، ثم دعك منك أولا. عليك الكف عن التفكير بأنّ هؤلاء محور الكون، ونقطة ارتكاز الأرض.. إيّاك أن تسقط في تفاهات أوهام أن الحياة جميلة ولكن علينا أن نفهمها!
ثم لاحظ يا رعاك الله، إذا رغبت أن تلاحظ، أنّ ثمة سبعة مليار إنسان في العالم تربطهم العلاقة الكلية في هذا الكون ولكن تفصلهم العلاقات بين بعضهم أكثر. وانظر معي حين تنبثق شمس الله كل صباح. انظر كيف يهرول مليارات البشر لممارسة حماقة العمل، يستيقظون بصعوبة بالغة، غالبية هذه المليارات تتمنى لو أنّها لم تستيقظ، أن تظل نائمة لا تواجه هذا الواقع الصعب والالتزامات الثقيلة. وغالبية هذه المليارات تحلم بامتلاك مليارات الدولارات كي تنام كما يحلو لها، ولا تستيقظ إلا وقتما تحب دون كدر أو هموم أو مشاكل مالية أو كآبات، وتدرك هذه الجموع من البشر أنّها حين تمل الاستلقاء على شاطئ الراحة، وترى أنّها نامت وأسرفت في النوم، وشربت حتى ارتوت، وأتخمت من كثرة الشبع، ستسقط، هذه الجموع، أخيرًا، في فكرة البدء بمشاريع عمل! وهو - العمل- الذي كانت تهرب من عملية الاستيقاظ من أجله، فتباشر هذه الفئة الضالة المضلة العمل كي تعود للاستيقاظ، وهي غير متمنية أن تستيقظ!
مليارات البشر غير راضين عن ظروفهم، ولا عن ما يجري في العالم. وحدهم الحمقى هم السعداء بهذه المهزلة الكونية، وحدهم البلهاء هم المستمتعون بالمثل البائس الأبله "الدنيا لسه بخير".
لا يا سيدي. أكلمك أنت يا سيدي لا ذاك الأحمق. لا يا سيدتي. أخاطبك أنت لا تلك الحمقاء. الدنيا ليست بخير مطلقا؛ ولم تكن كذلك ذات يوم، ولا تسير نحو ذلك. ولن تصير. لن تتبدل سيرتنا ولا حيواتنا فتصير أجمل ما دام هناك ضحايا وأطفال يغرقون ويشاهدهم مليارات البشر، ولا يستطيعون تقديم شيء، ولا حتى أضعف الإيمان.

لذ برقة قلبك ولا تكن من القساة. اجعل في قلبك فسحة للتأمل في أحوال المليارات (البشر أعني لا الدولارات). انظر كيف يموت الناس في هذا العالم المبتلى بكل شيء قاس ومؤذ وفريد!

دع المسافات جانبًا، وقارن بيننا وبين الأمم المتحضرة. انظر ما هم فيه وما نحن عليه. هيهات هيهات. ولا مزيد من الكلمات!

تعليق عبر الفيس بوك