ناريندرا مودي في قفص الاتهام!

ليلى البلوشي

قرأتُ منذ وقت قريب أنَّ الهند من الدول التي تنتج كلَّ عام علماء ومهندسين ومتخصصين في تكنولوجيا المعلومات ضعف ما تنتجه أمريكا.

الهند البلد الذي يشهد نموًّا اقتصاديًّا وعلميًّا على الصعيد العالمي؛ فقد نمت بمعدل 7% كمنافس قوي للصين، بلغ معدل نموها الاقتصادي في الفترة بين 2010م و2012م حوالي 9%، وقد أصبحت الهند قوة اقتصادية متماسكة وصاعدة رغم عدد سكانها الذى يزيد على مليار نسمة، والذي سيكون الأول كثافة السكانية على مستوى العالم. وفي العام 1998م، أعلن رئيس الوزراء الهندي عن مبادرته قائلا: "سنجعل من الهند خلال 10 سنوات قوة عظمى لتكنولوجيات المعلومات ومن أكبر المنتجين والمصدرين في عالم البرمجيات"؛ تبوَّأت الهند المكانة الثانية في العالم في تصدير البرمجيات؛ فقد نجحتْ كمصدر أول لمحترفي تقنية المعلومات في العالم.

وهو بلد التناقضات في الوقت ذاته، وهو رأي يذهب إليه كل من زار الهند وتسكع بين أحيائها باذخة الثراء وأخرى غارقة في مستنقع الفقر المدقع؛ حتى إنَّ الروائي الألماني -الحاصل على نوبل- "جونتر جراس" قال عنها يوم زارها في زمن ما: "الوضع في كلكتا. ما من مكان آخر أعرفه تختلط فيه مشاكل العالم الأول بشكل صريح جدا بمشاكل العالم الثالث في وضح النهار"!

ويبدو أنَّ زيارة رئيس وزراء أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية والتي فاز بها الحزب الهندوسي المتشدد بهاراتيا جانانا برئاسة زعيمه الديني السياسي ناريندرا مودي الذي ذهب إلى دولة الإمارات مؤخرا لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، ناهيك عن حضوره افتتاح معبد للهندوس تم افتتاحه في أبوظبي. هذه الزيارة جعلتْ كثيرًا من الصحفيين في العالم يتحدثون عنها، لا سيما الصحف الهندية والكتّاب الهنديون، الذين أبدى البعض منهم استغرابه من موقف رئيس وزراء تجاه مساجد المسلمين في الإمارات إثر زيارته لمسجد الشيخ زايد -رحمه الله- وهو معلم من المعالم الإسلامية المهمة التي تتصف بجمال زخرفها وسعة عمرانها.

هؤلاء الصحفيون من الهند أبدوا تعجبهم من كمية الاهتمام والاحترام الذي أظهره رئيس الوزراء تجاه معالم المسلمين في الإمارات، وهو الذي لم يخطر بباله قط زيارة أي مسجد من مساجد المسلمين الموجودة في الهند، بل هناك مساجد أثرية عتيقة يرجع تاريخها الثقيل لمئات السنين، وثارت حوله كثير من الشكوك وهو الذي رفض طلب ترميم معظم المساجد العتيقة التي بنيت في قرون مضت لكون تضررها الناجم عن اشتباكات طائفية ليست من مسؤولية الحكومة!

رئيسُ الوزراء الذي عاش في مرحلة طفولته في حي من أحياء الهند المعدمة، وكان بائعا للشاي في دكان أبيه، لكن اسم "مودي" لا يمر مرورا عابرا في مرحلة من مراحل تاريخ الهند لاسيما عند المسلمين منهم وهو الملقب بـ"تاجر الموت"!

سنوات من اندلاع الصراع الطائفي بين الهندوس بقيادة مودي والمسلمين في ولاية غوجارات عام 2002م، الحادث الذي ذهب ضحيته ألف مسلم حين وقع حريق في قطار كان ينقل حجاجا من الهندوس أثناء مروره في بلدة سكانها من المسلمين وهم الأقلية ويفوق عددهم 175 مليونا؛ لذلك اتهم المسلمون بإشعال النار في القطار حيث قتل 59 هندوسيا، الهند التي سبق وشهدت صراعات مماثلة غدت في ذاكرة التاريخ كوشم دام ٍما بين مسلميها وهندوسيها، ذاك الاحتقان الطائفي الذي يكفيه عود ثقاب واحد كي يكون متفجرة يحرق بعضه بعضا؛ لهذا كان توجيه التهمة كافيا لانطلاق حملة قتل جماعية انتقاما، فسقط من المسلمين أكثر من ألف ضحية، وبعد هذه المجزرة كشفت التحقيقات أن الحريق لم يكن مفتعلا، وأنه كان نتيجة احتكاك كهربائي!

إلا أنَّ المجزرة كانت قد حصدت ضحاياها الأبرياء؛ لذلك أدرجت الولايات المتحدة اسمه على اللائحة السوداء ورفضت منحه تأشيرة دخول إليها، والموقف نفسه أعلنته العديد من الدول الأوروبية.

هل تكتفي الهند بنهوضها على الصعيد الاقتصادي والعلمي، بينما صراعات دينية يتحكمها هوى عنصري استبدادي كما استحكم قبلهم في قرون الجهل والتبعية حتى شاعوا فيما بينهم بأنه من البيضة الذهبية خرج السادة، ومن البيضة الفضية خرجت سيدات السادة، ومن البيضة النحاسية خرج من يشتغلون؟

وفي وقت طرح فيه الحزب الهندوسي بهارتيا جاناتا -برئاسة مودي- من ضمن جدولة الانتخابات هو تغيير نظام الدولة من العلمانية إلى الهندوسية، كما سيجري تغييرات جذرية على بعض المواد الدراسية للأجيال القادمة كي تضاعف من تقديس الهندوسية لهم ربما، فأي نوع من التغيير ينتظر دولة كبيرة كالهند في ظل الأعوام المقبلة؟!

مودي الذي ينتمي لحزب كان قاتِل غاندي عضوًا فيها، وهذا -شخصيًّا- يجعلني أتساءل: كيف سيكون وضع كل من يرفع شعار "التسامح" ما بين الطوائف والديانات في بلد متعدد الطوائف والديانات واللغات والتي تتألف من حوالي ثلاث آلاف طبقة كالهند؟!

غاندي القائل في زمنه المتسامح: "إنَّ النصرَ الناتج عن العنف مساوٍ للهزيمة؛ إذ إنه سريع الانقضاض".

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك