قد يسأل عنا الناس

جمال القيسي

ما المانع؟ لرُبَّما يسأل عنَّا الناس. حقنا نتمنى لو يسأل عنا الناس ولا بأس من تكرار السؤال تلو السؤال. حتى على الصعيد الشخصي، فمن الجيد والباعث على الحياة أن يسأل عنك الناس. فما بالك لو سألوا عنا أولئك الذين تسمِّيهم النُّخب العربية (الآخر). قد يسأل عنا الآخر/الناس فيعجبون من هذا الرحالة الذي أسرف في التيه بنفسه فغرق في محيط التيه. يسألون عنا، والأسئلة غير مُحرَّمة، سؤال جدير بالطرح؛ عن هذا الذي كان الطاعن بلا ملل في "سباخ" الهجرات نحو الخيل والليل والبيداء التي تعرفه، ولن يعجب هؤلاء أن هذا المسافر نحو العدم، لم تعد تعرفه هذه الأشياء على النحو الذي أراد وابتغى وفاخر.. لم تعد الخيل مغيرات صبحا ولا مثيرات نقعا. لم يعد لمعنى الليل غير السواد والظلام والقنوط ونجوم مشدودة بلا أمد ينتهي إلى أن يذبل لن يرخي سدولا مهما طال الأرق والسهاد. أما البيداء -وهي التي تعرفه حقا- فهي قدره لكنه اليوم في رمالها المتحركة التي ستبتلعه فيصير في باطن الأرض عظاما، بعد أن كان يأبى إلا أن يكون من العظام فوق الأرض، وتخر الجبابرة ساجدة للرضيع من نسله.

من المؤكَّد أنَّ إخواننا في الإنسانية يناجون أرواحنا الكليمة عن بُعد مسافة ويكبِّدون أنفسهم مشقة السؤال. من باب أن السؤال محض سؤال ولا يكلف شيئا أو نصبا، والجواب ربما تترتب عليه بعض الفوائد أو ما لا يضر بأي حال. ودع عنك، يا رفيق الوجع، عقدة التفوق أو صدام الحضارات، فليس هذا أوان هذا!

يسأل إخوتنا جزعين، أو بحياد بارد، عن وجهة هذه النار التي اندلعت كتلة ضخمة بحجم بلاد مبتلاة في سماء جحيم الربيع والخريف الذي ابتدعناه على طريقتنا العربية. ربيع عربي، وخريف، أيضا عربي. وشتاء أسود. وصيف من درك جهنم!

ومن المؤكد أنَّ السؤال عن مصير النار يأتي من السائلين البريئين بحياد فاتر. عفوا بارد. للدقة أكثر بارد جدا. والبرود صفة يحوزها الآخر وهي حقه ولا يجوز لأحد التعقيب عليها تحت أية ذريعة.

هي الأمم تتعارف وتسأل عن أحوال بعضها من حقبة لأخرى، أو كلما أحبت إذا شئت. من الممكن أن حالهن مثل جارات يتبادلن الأحاديث من شرفات بعيدة، أو قل من شرفة أنيقة تطل على واد غير ذي زرع. ربما يسأل أحد الأبناء من الشرفة العابقة بالياسمين طفلا شريدا عن سبب بكائه، وهل يفيده البسكويت أكثر أم الخبز الحافي؟

وهل طعم البرد القارس ألذ أم أزيز الرصاص؟

سيتجاوز البسكويت وأنطوانيت، ويدخل في الموضوع مباشرة على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية:

- من أنت يا هذا الطفل العربي؟ هل أنت طفل حقا أم مسخ من فضاء ملتاث؟!

قد يسأل عنا الناس. وسائل قد يسأل فيقول: السلام عليك يا أخ العرب. حدِّثنا عمَّا يجري في بلادكم فقد بلغنا العجب! أحقا ما يعرض على الفضائيات عنكم وما ينشر في الصحف عن أهوالكم وأحوالكم. أم أن حكوماتنا وحكماء صهيون يكيدون لكم ويصورنكم لنا -عدم المؤاخذة- وحوشا تقاتلون بعضكم وتقطعون رؤوس أبنائكم بسبب اختلافات في وجهات النظر حول بعض الأحكام الشرعية؟

نرجِّح أنَّ الفضائيات تتآمر على هويتكم وإرثكم وصورتكم وتسعى لتشويه كيانكم ومنجزاتكم (وبصراحة أكثر) تدمير سمعتكم. سمعتكم التي شوهها الإعلام من قبل برعاية الإرهاب وتصديره والتنظير له، ودعمه، والدفاع عنه، والتأطير له.

نتذكر في خضم ما جَرَى بحق سمعتكم، اتهامكم الفج بتفجير الأبراج وتفخيخ محطات المترو والشوارع والطائرات والمطارات. يا لافتراءات العالم عليكم يا أخ العرب. وأنت الطاعن في الهجرات. الهارب في ونحو تفاصيل التاريخ!

هل حقًّا أن تنظيما مسلحا متطرفا وحشيا يحتل من أرضكم مساحة أكبر من مساحة بريطانيا العظمى؟ وهل صحيح أن هؤلاء يتحكمون في مصائر البشر والشجر والحجر في بلادكم. لقد أصابنا الشرر لكن قلبي معك فيدك في الحمم والنار وسيوف المغول تحز الأعناق بالعشرات على السواحل المفترض أنها للحياة، والراحة من تعب الحياة. أليس كذلك يا رعاك الله!

تُرى: هل انفجر كل هذا العنف بل الدمار -كما نسمع- دون مقدمات أو مكائد أو مؤامرات متينة.. قوية أو حتى واهنة؟! يقول بعض المحللين السياسيين لديكم إن الربيع العربي مخطط غربي أمريكي صهيوني لإدخال الناس في فوضى التفكير التي تدفع للتكفير. محلل على قناة مشهورة تعرفها. هل هذا تحليل يقنعك يا اخ العرب. هل ترى أن الغرب وأمريكا والصهاينة معجبون كثيرا بالسجع والطباق والتفكير والتكفير والتدمير بعد التدبير؟

ربما كل ما يجري في بلادكم كابوس دهر قاس بلا ملامح لا تحمل غير العدم. لكنه كابوس مرعب يجثم على صدرك وصدري بلا أمل استيقاظ على أمل!

يا لعذاباتك يا أخ العرب ويا لعذاباتي ايضا، لعلَّ قصورا في الفهم جعلني أشعر أني بمأمن من أنياب الشر المستطير. كلانا في الهم غرب وفي اليأس شرق وكل ما ندعيه من حدود أسقط أوهامه الإرهاب. أرأيت كيف توحدنا؟

قد يسأل عنا الناس!

تعليق عبر الفيس بوك