من أرض التاي.. تحيَّة لعُمان الخالدة وقائدها العظيم

 د. سيف المعمري

هُنا من أرض التاي، ينبلجُ فجرُ يوليو، مُتقدِّما بثلاث ساعات.. لكنَّ خيوط نُوْره الأولى لا تزال مُمتدة منذ خمسة وأربعين عاما تُثبت للعالم أنَّ الأمم الحيَّة هي التي تمتلكُ القدرة للحفاظ على خيوط النور، الذي تُحاول قوى كثيرة خطفه من الشعوب التي لا ترى فيها إلا الثروة التي تمتلكها.

لا يزالُ يوليو يعود سنة بعد أخرى، والوطن عبارة عن لوحات جميلة رائعة، هذه اللوحات قد لا نلتفتُ إليها نحن؛ لأننا ألفنا وجودها وتعودنا عليها؛ ففقدنا مُتعة تذوُّق الجمال الذي يختبئ فيها، ورُحْنَا نبحث عن لوحات أخرى في هذا العالم، تستفزُّ حاسة التذوق بداخلنا، ربما لأننا لا نهتم كثيرا للوحة الفنية؛ فنحن مهما أعطينا أهمية لجوانب التذوق الجمالي في ترتيب منازلنا وهندامنا، واقتناء أفخر وأغلى الأشياء لها، إلا أننا لا نزال لا نهتم كثيرا بالوحات الفنية التي يتشكَّل منها وطننا، والتي تمنحه جمالاً هادئا ساكنا في المحيط متلاطم الأمواج.. هذه اللوحات أينما كانتْ تحكي قصة طويلة لا يمكن أن تشرحها الكلمات؛ فقد قيل يوماً إنَّ الصورة تغني عن ألف كلمة، واللوحة الفنية لا تخدع كما تخدع الكلمات.

لكنْ هُناك رسَّام ومتذوق لهذا الجمال الوطني، أخذ على عاتقه منذ أربعة عقود ونصف العقد إيصال رسالة للعالم مفادها أنَّ هذا الوطن سيظل منبع الحياة، يحيا بمواطنيه الذين يمنحونه إخلاصهم، وينقلونه إلى العالم الذي يحتاج اليوم ليقرأ لوحاته الجميلة التي تمنح الحياة بدلا من الموت، والتي تروِّج للمحبة بدلا من الكراهية، والتي تبرز أيادي ممتدة بالورد بدلا من أن تبرز أيادي تحمل السلاح.

يحتاجُ عالمنا أنْ يمنح نفسه بعض الوقت للتأمل في اللوحات العمانية التي تقول له إننا قادرون على أن نصنع عالما جميلا إذا عرفنا بعضنا بعضا، وإذا فتشنا عن بعضنا، وإذا قدرنا أن نكتشف بعضنا؛ لأننا سنجد كثيرًا من الأشياء التي يمكن أن نجتمع حولها، والتي يمكن أن نبني على أساسها تفاهمًا مشتركًا.. فمشكلة عالمنا أنَّ الناس لا تعرف عن بعضها إلا الأشياء المغلوطة التي يشكلها الإعلام الذي تفتقد رسائله للمصداقية؛ وبالتالي تعرض اللوحات مشوهة لا تقرأ فيها إلا معاني مضللة.

يأتي يوليو وعُمان واقعها ثلاث كلمات هي: "عمان.. استقرار وسلام ورخاء". تقف شامخةً في المحيط، يُرفرف من كل بيوتها ومبانيها وقلوب مواطنيها ألوان السلام والرخاء الأبيض والأحمر والأخضر، أقف في هذا الممر الطويل في هذا المستشفى الكبير بأرض التاي في هذا الفجر للتأمُّل في هذه الصورة التي شاهدتها مع أحد كبار السن الذين جاؤوا للعلاج في هذا المستشفى الكبير، في هذا الممر تظهر تلك الصورة لوحة عمانية على الجدران الكبيرة، يقف المارون للتمعُّن في جمالها بعُمق؛ حيث يظهر القائد والمواطنون في معركة بناء صعبة وقاسية، ليهبوا لعمان روحها، وليصلوها بجذورها التي كانت تقاوم الموت وتبحث عن قطرة ماء تعيد لها الحياة، لوحة حرَّكت إعجابَ كلَّ الواقفين فجأة هنا ولا شيء يحرك إعجابهم إلا الجدية والكدح والبناء.

إنَّها لوحة تُبرز أنَّ الإنسانَ العمانيَّ -سواء كان قائدا أو مواطنا- ليس صورة ساكنة يُمكن أن تقرأ ماهيتها بلمحة خاطفة مستعجلة، وهذا لا يعني أن هذا الإنسان مُعقَّد عصِي على الفهم، ولكن لكي تقرأ الصورة بشكل صحيح لابد أن تزرع نفسك وسطها، وأن تتفاعل مع شخوصها، وأن تقف على قمة جبلية مثل الجبل الأخضر أو جبل شمس لتنظر إلى كل عمان: جبالها، وأوديتها، وصحراءها، وبحرها؛ لكي تعرف هذا الإنسان الذي لا يزال يحاول أن يمسك الشمس بيده لا لكي يسلط حرارتها الشديدة على الآخرين، وإنما يحاول أن يوجِّهها لمن يحتاج دفؤها ونورها، هذا الإنسان الذي لا يزال -رغم التشدُّد والانفعال، ولغة التهديد والقوة التي تسيطر على العالم- مبتسماً في وجه كل غريب يقابله؛ فهذا جزء منهم وعنوان شخصيتهم، هذه الشخصية التي تحتاج إلى مزيد من الجهد لقراءتها رغم بساطتها وعفويتها.

... نحتاج في هذا اليوم أنْ نسعى لمساعدة الآخرين على مشاركة عمان سلامها ورخاءها، نحتاج لنقرأ ونعرف كيف يرسم القائد العظيم وطنه ليرسم آخرون في أماكن أخرى أوطانًا تضجُّ بالحياة وتنعم بالاستقرار؛ فمن حقِّ الذين يتواجدون معهم أن يطلعوا على لوحات عمان الجميلة التي تنقل لهم السلام والمحبة.

تعليق عبر الفيس بوك