تشجع وافقس بيضتك

-لطيفة الحياة-

ليست الطيور والزواحف وحدها من تولد في بيضة، وعليها كسرها لتعانق الحياة. أنت أيضًا أيها الكائن البشري تفتح عينيك داخل بيضة، ما لم تكسرها كسرت مسارك الوجودي فخنقتك حد الموت. وما البيضة باختلاف أشكالها وألوانها وأحجامها سوى إطار مغلق ومحدد، شأنه في ذٰلك شأن معتقدات قومك التي ورثتها عن آبائك وأجدادك عبر التنشئة الاجتماعية. إنها مجرد ركام من المعارف المحدودة بسقفهم المعرفي الذي ليس هو سقفك، كما أنها مغلقة بأجوبتهم الحاسمة والجازمة التي لقنوها لك باسم اليقين التام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

صدقني، فهٰذا اليقين ليس سوى يقينهم، أي حصيلة ما أدركته واستوعبته عقولهم ومناهجهم وأدواتهم المعرفية. إنه بمثابة تلك القشرة البيضاء الخارجية التي تحيط الصوص من كل الجهات فتغلفه وتغلق عليه منافذ الحياة، فإذا هو فشل في فقسها اختنق ومات، أما إذا نجح فيزداد نموا وحيوية. وما النمو إلا انفتاح على تحولات جديدة في مسار يسمه التجدد والتدفق والانسياب، فمن الصوص إلى الكتكوت إلى الدجاجة.

كذلك، فأنت في حاجة إلى بذل جهود للخروج من بيضة قومك التي تجثم على أنفاسك بإبقائك في حجم أصغر مما قدره لك الخالق، كما تخنق إنسانيتك بإجاباتها التي هي لعصر غير عصرك، ولواقع غير واقعك، ولظروف غير ظروفك ولقضايا غير قضاياك. بيضة تحيط بعقلك فتغلفه، مما يعطله عن أداء وظيفته التي قررها له الوجود والمتمثلة في التدبر والتعقل والتفكر الذي يميزه عن بقية المخلوقات.

وإذا أنت عجزت عن فقس هذه البيضة، فستجهض نموك، بحيث لن تستطيع أن تصبح إنسانا حيا ولا أن تعود أدراجك نحو بشريتك. أجل ستمسخ في هيئة دابة تدب على الأرض، إذ لا وظيفة لها سوى الاستهلاك مثلها في ذلك مثل النار التي خلق منها إبليس. وبتعبير أخر سوف تصبح خليفة لإبليس، لأنك انحرفت عن وظيفتك الوجودية التي تؤهلك لممارسة فعلي الخلق والإبداع اللذين يجعلانك خليفة للحي الذي لا يموت.

فحتى تُبْعَث حيا، لابد من خروجك من بيضة آبائك وأجدادك بالتصالح مع وظيفتك الوجودية. لابد من أن تصلي صلاة النبي إبراهيم عليه السلام الذي فقس بيضة آبيه آزر وقومه كما توضح هذه الآيات من سورة الأنعام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).




تعليق عبر الفيس بوك