منتخباتنا والرقص تحت المطر

أحمد السلماني

لطالما تغنَّى المنظِّرون في موضة ما يسمى بالتنمية البشرية والبرامج التدريبية التي تقع تحت هذا البند، والتي لطالما نزلت بسيل هائل من العناوين، وكلها إن أنت وزنتها فهي لا تساوي جلسة سمر جميلة مع شيخ كهل عاصَر الحياة، واختزل من خبرات السنين ومواقف الأيام الشيء الكثير؛ فكلُّ ما يبثه إنما هو عصارة تجارب حقيقية بعيدة عن الوهم والتنظير، ومما سأقتبسه من أقوال هؤلاء المنظرين: "أنَّ الأولويات تتغير مع نضوج العقل، أنت لست كما كنت قبل سنة من الآن، ولن تكون كما أنت الآن بعد سنة، في كلِّ عام تجدِّد معرفتك بالعالم من حولك، تصدم، تخذل، تترك، تهجر، تنجح ، تفشل، تمر في فصول دنيوية قاسية، تزيد المسؤوليات عليك ولن تكون طائشا، ستتحمل ثمن أخطائك من كأس الزمان المر حتى يشيب شعرك فانضج..." انتهى الاقتباس.

إذا؛ هكذا هي الحياة، بل هي أكبر من ذلك بكثير لمن "ألقى السمع وهو شهيد"، وتدبَّر من الماضي، وما تواتُر الأحداث وسردها التاريخي وتناقلها عبر الأجيال إلا لأخذ العبرة واستيعاب الدروس، ولكن يبدو أنَّ القائمين على الكرة العمانية سيظلون يدورون في نفس الدائرة التي أغلقوها على أنفسهم، ولن يبادروا في تغيير واقعها والدفع بها نحو المقدمة؛ حيث ومنذ ارتباطي شخصيًّا بالفضاء الإعلامي بدأت الأمور تنجلي أمامي رويدا رويدا، خاصة فيما يتعلق بالتراجع المريع للكرة العمانية، رغم المحاولات الجادة والاجتهادات التي لا تعدو كونها فردية لمحاولة إنعاشها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حيث إن "الماء منهمر بغزارة، والمظلة متهالكة، والمشهد لا يعدو كونه رقصًا تحت المطر". فصبرٌ جميل والله المستعان.

... إنَّ الأزمة التي مرَّ بها مُنتخب الشباب وتوقف برنامجه الإعدادي للاستحقاقات القادمة -وأولها في سبتمبر المقبل بإذن الله- ولدواعٍ -غامضة علينا جلية للقائمين على منتخباتنا- فيما يبدو أنها بداية لمسلسل تركي طويل بسيناريو عُماني، شخصيًّا وكثيرون ننشد نهايته سريعا؛ وذلك لن يتأتى إلا بوضع حل جذري ونهائي لمثل هذه المطبات حتى لا نقع فيها، ونحمد الله أن الأمور استقرت، والمنتخب سيلتئم شمله بعد العيد السعيد بإذن الله تعالى.

المدير الفني لمنتخب الشباب رشيد جابر ومساعده عبدالعزيز الحبسي، وضعا خطة واعدة وطويلة الأمد، ومن وجهة نظر فنية بحتة فهي الأنسب لضمان حضور قوي للفريق، خاصة فيما يتعلق برفع معدلات اللياقة البدنية وضمان التجانس بين اللاعبين من خلال المعسكرات والمباريات الودية؛ الأمر الذي سيرفع من مؤشرات الأداء ويضمن وصول الفريق لمستويات عالية وجهوزية تامة؛ وبالتالي خوض غمار المنافسات بثقة كبيرة وعزيمة وقادة وبإرادة صلبة فتتحقق الأهداف الآنية والبعيدة؛ الآنية: بالفوز في التصفيات الآسيوية والبطولة الخليجية، والبعيدة: بتكوين فريق طموح يرفد المنتخبات الأولمبي والأول بلاعبين يعيدون للكرة العمانية بريقها ولمعانها.

لكن فيما يبدو أنَّ الخطة لم تجد الدعم المطلوب من اتحاد الكرة ودائرة المنتخبات تحديدا لأسباب؛ أولها: العامل المادي؛ فالمؤشرات تقول إنَّ مؤسسة الاتحاد تسير حاليا وفق مسار تقشفي فرضته عليها التزامات ومتطلبات بعضها ضروري والآخر مجرد كماليات بثلاثة اتجاهات؛ الأول: للأندية، والثاني: للمنتخبات، والثالث: المصاريف والتكاليف التشغيلية بالمؤسسة نفسها، وربما تدخل بيروقراطية دورة العمل بالاتحاد سببا في تعطل برنامج اعداد منتخب الشباب لينطلق في 28 يوليو بدلا من 23 يونيو المنصرم.

وهنا.. رسائل مباشرة لمؤسسة الاتحاد العماني لكرة القدم، بأن المنتخبات خط أحمر؛ وبالتالي عليكم إعادة النظر مجددا في سياسة التعاطي مع دورة عمل المؤسسة، وألا يطغى جانب الرعاية والدعم للإندية على أهميته على المنتخبات الوطنية؛ فالأولى يقع على مجالس إداراتها مسؤولية تمويل برامجها من خلال الاستثمار. أما الثانية، فهذه كاليتيم لا بد من وجود من يرعاه ويدعمه.

كلُّ ما سبق إنما هو كلام تنظيري. أما العملي منه، فإنَّ الموسم القادم على الأبواب، ولا بد لجميع مفردات الكرة العمانية -وهي رابطة دوري المحترفين، ومعها الأندية، ولجنة المسابقات، ودائرة المنتخبات، والخبير الفني، والأجهزة الفنية للمنتخبات الوطنية- الاجتماع والمباشرة في وضع خطة عمل ورُزنامة كاملة وشاملة وعامة تخرج ببرنامج نهتدي به جميعا؛ وذلك في كتاب وإصدار واحد به كل شيء. أتمنى ذلك، وآن للقائمين على كرتنا أن يستوعبوا دروسَ الماضي؛ فقد بلغوا عمرا عتيا داخل أروقة اتحاد الكرة، ومؤكد أنهم اختزلوا الكثير والكثير من التجارب وكفانا "رقصا تحت المطر".

تعليق عبر الفيس بوك