السعيد من اتعظ بغيره

د. سعيدة بنت خاطر الفارسي

ما إن يتفجّر حدث مؤلم حتى تهب أقلام الكتاب والصحفيين لتناول الحدث من كافة وجوهه تحليلا واستنتاجًا وتفسيرًا حتى أصبح معنا محللون في كل مجال ينعق أكثرهم بما يمليه عليه هواهه، وليس أدل على هذا من المحللين السياسيين والإعلاميين ورجال الدين ممن وجدوا في الافتاء فرصة لتخويف الناس وإرهاب العامة حتى أصبح المسلم مقيد الفكر فعليه ألايستخدم فكره أبدا بل يسأل الشيخ والافتاء قبل أن يتنفس، فكثرت الأسئلة الغبية وأصبحنا نسمع ياشيخ المنديل مذكر هل يصح أن استعمله وأنا أنثى!! أسئلة تدل على ما وصلنا اليه من تبعية الببغاء، أين باب الاجتهاد، أين باب القياس، مقفول!! بل يجب ألايستخدم الفرد عقله أبدا، ولابد من سؤال أهل الذكر، مع أنّ ديننا واضحوهو دين تفكر وحث على استخدام العقل،لأنّهذا مايريده الله لعبده أن يكون حر التفكير ليصل إلى نتيجة منطقية لايرفضها المنطق والعقل، ولماذا احتاج لسؤال رجال الدين والقرآن به كل ما يحتاج إليه المسلم، فان استشكل عليه استعان بالسنة النبوية "تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي "فمتى يتنحّى هؤلاء ويبتعدون عن الوصاية والحجر الفكري، هذا عن الدين وهو المسؤول الأول من وجهة نظري عن التطرف، عندما كانت الفطرة سليمة لم نكن بحاجة لفتوى حتى نذهب نحن من أبناء السنة إلى حسينية الفريج لنشارك أصدقاءنا من أطفال الشيعة ولنتعشى ونتغذى هناك ونبكي، بل ونطلب أن يضعوا لنا الطعام لنحمله لبيوتنا، عندما كانت القلوب نظيفة والنوايا على الفطرة وديننا هو دين الفطرة، لا يبحث عنا الأهلإذا تأخرنا إلا عند أم بهروز الإيرانية التي تجيد صنع الحلاوة لأولادها ولنا، حتى أصبح بيتها محجا لأمثالنا، ولم تكن على تواضع دخلها المادي تطردنا كما يحدث اليوم لا لضيق اليد بل لضيق القلوب، عندما كانت القلوب نظيفة وعلى الفطرة كان عمي غلوم الخباز إذا رأى منكرًا من أي منا يؤدبه بنفسه، ثمّ يخبر عنه والده الذي يقول له لاتخبرني أدبه فإنه ولدك، أين نحن اليوم، ومن صنع هذا الارهاب الدخيل الذي يتشدق به بعض الكتاب من الذين يميلون حيث تميل ريح المصلحة، كتب أحدهم (بضاعتكم ردتْ إليكم) وهل للكويت بضاعة فاسدة حتى ترد عليها بهذا الشكل الدموي، ربما الكاتب المدمن للتحليلات السياسية، لم يكن ضمن البيئة الحاضنة للكويت، فاذا لم تكن تعرفها فيرجى ألا تتجنى عليها لهوى في ذاتك، الكويت هذه البلاد الآمنة الجميلة بناسها لم تكن ذات يوم مصدرة أو صانعة للإرهاب، الكويت أياديها بيضاءعلى كل من عاش فيها من كل جنس وعروبتها ودينها وانتماءها القومي لايشكك فيه أحد، فإن ساعدتْ صدام - رحمه الله - ضد إيران ثم اعتدى عليها فهذا لقبح فيه، لأنَّ ماجزاء الإحسان إلا الإحسان، ولأنْفتحتْ الكويت أبوابها مشرعة للجميع لأنها تشعر أنّ الخير الذي وهبها الله هو للجميع، وشاركوا الجميع فيه من فلسطينيين إلى ايرانيين إلى عراقيين إلى يمنيين إلى أهل الخليج كافة، فإن خانها البعض أثناء أزمة الغزو عليها فليس هذا لسوء معاملة الكويت لهم، بل لسوء في خصالهم، الكويت الحرة لم تقيد أحدًا من أصحاب الفكر والرأي سواء سياسيًا أو دينيا، أو اجتماعيًا فإن كان للإخوان المسلمين جمعية تعرف باسم الاصلاح الاجتماعي فإنّ إخوان الكويت بالذات من أجمل المتدينين وأصدقهم وأخلصهم عطاء للوطن، جمعية الإصلاح عملها اجتماعي وأخلاقي من الطراز الأول،ولها في الكويت أكثرمن خمسين سنة، وأثبتت في غزو الكويت أنّها الأكثر وطنية وصدقا، فمن قاوم كان منهم، ومن قتل كان منهم ومن أخذ على عاتقه توزيع المؤن والأكل من الجمعيات التعاونية على بيوت الناس جميعا دون نظر لمذهبه في ظل غياب الحكومة كان منهم، ومن ثبت ولم يغادر الكويت- وهم قادرون على الهرب - كان منهم، إذن التربية السليمة للمواطنة كانت موجودة مع أعضاء جمعية الإصلاح التي لاتحمل نبذا للآخر ولا اعتداءً عليه، وجمعية الإصلاح هي من يصل أعضاؤها في مجاهل إفريقيا لنشر الإسلام وحمل المساعدات، فإن تمّ استساخ تجربة حزب الله اللبناني مؤخرًا في الكويت، وتكوين حزب آخر باسم (حزب الله الكويتي) ولم تعترض الدولة فليس هذا لأنّها بلد بلا رابط كما يظن البعض، ولكنّه مبدأ تسير عليه الكويت منذ نشأتها القائمة على حرية المعتقد الديني، وحرية الرأي، وحرية التعبيرعنه، فإن استغل البعض هذه المبادئ الجميلة لغرس السموم فليست الكويت هي المسؤولة عن قبح الآخرين، في الكويت حرية يجب أن تقتدي بها جميع الدول لأنّها انتجت مواطنة صادقة، وحبا وتسامحا حقيقيا بين طوائف المجتمع، الكويت لاتساعد الإرهاب كما حاول البعض أن يوضح في مقالاته، بل إنهّا تساعد الإنسان أينما يكون، أم يريدنا البعض إمعات ودولا كرتونيّة كما يرددون، لا رأي لها ولايد فيما يحدث حولها، والمثل يقول إذا شفتها في جارك حسها فيك، الكويتيون تجار بالسليقة وتهمهم الاستثمارات في كل مكان من العالم، والتاجر يهمه الاستقرار والسلام لمجتمعه لا الحروب، وإذا كان البعض يكتب عن الكويت شكلا ولا يغوص فيها مضمونا، ولم يتربَ في مجتمعها فلا يحمِّل مافيه على الكويتيين، الكويت لا تتحمل سفك الدماء والقتل ونشر الأمراض النفسية التي يعاني منها كثير من كتاب السياسة في الوطن العربي، بضاعة الكويت بضاعة سليمة نظيفة، فلم كل هذا التحامل وروائح الشماتة التي تفوح من البعض، سيقولون تدافع عنهم لأنّها تربت عندهم، وأقول نعم تربيت معهم وهم أهلي تربيتُ على احترام الآخر، وعلى احترام الإنسانية، ولا أعتقد يوجد مجتمع كان حاضنة للجميع مثل الكويت، تربيت على احترام حرية الرأي واحترام الكلمة وعلى الوطنية والقومية والانتماء الحقيقي للعروبة والإسلام،لا أدعي بأنّ الكويت مجتمع مثالي، فإنّالكمال لله وحده،ولعلّ العيب الحقيقي لصناعة الإرهاب بالكويت لم يركز عليه جيدا، ففي الكويت فئة مظلومة ظالمة في الوقت نفسه، والظلم هو أساس بؤرة الارهاب،لقد سمح التسامح الكويتيلمن لا وطن له أن يهاجر إليها، وعاشوا في أمن وأمان وكان هؤلاء بلا هوية ولا مستندات، فمنهم من هاجر من العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن إيران على الأغلب هربًا من الفقر والظلم في بلدانهم، وعندما توالدوا جيلا بعد جيل أصبحت الأجيال الجديدة لاتعرف من أي فج جاء الآباء، ولم تقصر معهم الكويت عاملتهم معاملة الكويتيين، علمتهم وعالجتهم مجانًا وفتحت كافة الفرص والأعمال لهم خاصة في الجيش والشرطة إذ لهم الأولوية، لكن هذا الكويتي بالإقامة لم تكن لديه هوية انتماء، ولعل مشكلة الكويت الحقيقية تكمن هنا، فلا هي جنّستهم بجنسيّتها ولا هي طردتهم، إلا بعد الغزو العراقي حيث انضم بعض أبناء هذه الطائفة مع العراق ليساعدوا صدام ضد الكويت،هذه الثغرة لو سدتها الكويت ومنحت من يستحق منهم جنسيّتها وأمهلت البقية للرحيل، لسدت خانة الظلم الكبيرة، فالعصفور المحبوس مظلوم ولو وضع في قفص من ذهب، ولا أعتقد أنّ الشاب الذي فجر نفسه سوى أحدأبناء هذه الأسر، فالفقر كفر والضياع يجعل الشباب فريسة سهلة للوقوع في أيدي الفكر التكفيري،أو أي فكر، وهؤلاء يدفعون لمن هو قنبلة موقوتة في مجتمعه فيسهل اقتناصه.. لو حصنَّا هذه الفئة وسددنا ثغرات الحاجة لديها سواء أكانت حاجة ماديةأو حاجة انتماء، فالحاجة سواد وجه، وهي أم الاختراع سواء أكان هذا اختراعًا إيجابيا أوسلبيا للخروج من مصيدة المشكلة. ختامًا لانقول سوى كويت سلمتِمن الأذى، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شرور الشامتين، ولعل الخير مخبوء في بطن الشر،وإذا كان في هذا الأمرشيء من خير فإنّ هناك خوفًا ووعيًا أخذ يتسرّب إلى النفوس، بأنّ الطائفية فعلا منتنة والأحرى بنا تركها، وهناك وعي وخوف حتى من شيوخ الدين مما ارتكبته أيديهم من بث للفرقة والتعصب بين المسلمين باسم المذهبية. وهناك وعي للعامة أنّ الدين لله وأنّ الوطن للجميع، والمحافظة على الأوطان واجب جمعي، وهناك صرخة تقول انتبهوا يامسلمين وياعرب خاصة فالسعيد من أتعظ بغيره، لا من اتعظ بنفسه.

تعليق عبر الفيس بوك