الإرهاب يخطف الجمعة والجامع

جمال القيسي

منذ استحكم تنظيم داعش وضوى تحت رايته البلاد وأعناق العباد، سرق يوم الجمعة من الذاكرة المسلمة حتى صار اليوم المبارك لا يرتبط إلا بالدموية والدمار، ذلك أن الإرهابيين الملتاثين في قلوبهم وعقولهم، لا يجدون بغير الإفناء وقتل الأبرياء الغافلين المتعبدين طريقاً مضمونا للجنة.

ولأن يوم الجمعة صار يشكل يوم رعب على امتداد خريطة العالم، ويرتبط بالإسلام والمسلمين؛ فإنّ المسلمين، بعد فترة من الزمن، سيفرضون على نفسهم حظرا مبررا من الاقتراب من المساجد، لاسيما المكتظة، كما سيتحدث الكثيرون بأنفسهم ويأمرون وينصحون بعدم التوجه إلى المسجد، انطلاقا من مبدأ عدم إلقاء النفس في التهلكة حيث حفظ النفس مُقدم على سائر الضرورات. وفي حال تصاعد، وهذا ما يبدو، مواصلة الإرهاب تدنيس يوم الجمعة، فليس من المستبعد صدور قوانين في دول عديدة، بمنع الصلاة في المساجد في يوم الجمعة، أو اشتراط أن تكون في الساحات المكشوفة مع تفتيش أمني دقيقي حيث الأماكن المكشوفة أقل خطورة احتمالية يمارس فيها الأرهاب تفجير المصلين، رغم أن هذا الخيار لن يعدم الإرهابيون معه أية أي حيلة للوصول إلى بسط الإرهاب في المساجد كما سجادة الصلاة، فإن لم يكن هنا فإنّه لاشك "هنا". فلنترك تصنيف أنه لم يضرب بلدنا أو مدينتنا؛ بل ضرب هناك؛ لأن مقدرته على تنفيذ أي عملية في العالم، يعني أنه موجود ويتمدد، والـ هناك هنا.

هذا الخوف من يوم الجمعة، سيسحب معه الخوف على باقي أيام الأسبوع، فالخوف صار من الجامع عموما، وبذا يكون الإرهاب قد خطف الجمعة والجامع، في آن معا، بعد أن كان الجامع في يد الدول، إلا أنها لم تتنبه إليه، ولم تقم بالدور الواجب، والمنوط بها تجاهه على الوجه التنويري المعتدل، ولم يكن يوم الجمعة وخطبة الجمعة، بعيدا عن الاهتمام المؤسسي للدولة إلا بما يدفع المس من هيبتها، دون إلقاء بال لما تتضمنه خطبة من تجهيل وبث للأفكار المسمومة على مدار عقود خلقت جيلا ينفذ ما نراه. ومن شواهد هذا الخوف من الجمعة والجامع فقد أغلقت تونس 80 مسجدا في أعقاب التفجير الإرهابي الذي استهدف فندقا في العاصمة، ولم تغلق أي فندق! وما تزال ترفع دول العالم كافة، من درجة مراقبتها الأمنية العالية، للمساجد تتبعا لإرهابيين وإرهابيين محتملين، كما ترصد بالمتابعة دور العبادة لكل الديانات، كما أن الدول تشدد فوق التشدد على التفتيش والتدقيق في الفنادق والمولات والأماكن السياحية والمطارات. كل هذه الإجراءات مطلوبة. كل هذه الإجراءات تؤكد على الرعب من الإرهاب، وتوقع حدوث الانفجار في أي لحظة، وفي أي مكان. ولكن كل هذه الإجراءات لابد أن توازيها رقابة حقيقية ومشددة على التفكير ومخرجات التعليم الذي لم يعد محصورا في المدارس، بل هو الآن أقل ما يكون في المدارس، على الدولة أن تتذكر أن الجمعة والجامع في حالة مرعبة اليوم.

مسؤولية محاربة الإرهاب والتصدي له مسؤولية الجميع، مهما صغر الدور الذي نؤديه، علينا عدم الاستهانة بأي بذرة تطرف أو ملمح تأييد للإرهاب، يصدر عن زميل أو جار أو مدرس، فقد غدا هناك تيار يكرر كلمة نحن السنة عند كل حديث! داعش اليوم له دولة، وراية لا يقبل أن تشبه أو يسميها علما، ولا يقبل بأي مركز اقتصادي أو سياسي في العالم، لو تخيلنا أنه سيعرض عليه، إلا على طريقته الدموية، ولن نذهب بالخيال أكثر؛ ولكن داعش لن يقبل لو فاوضه العالم بمقعد دائم العضوية في مجلس الأمن.

ها هو تنظيم متماسك، له عملة رسمية، ومحاكم وسجون وشرطة ومخبرين في ولاياته المترامية الأطراف، وما يزال يتمدد. ها هو دولة تمتلك، فوق ما أسلفنا، اقتصادا قويا. والأهم من كل ذلك، أن داعش دولة تملك آلاف الانتحاريين، وآلاف الانتحاريين المحتملين حول العالم، المستعدون لتنفيذ برامج القتل المدروس والارتجالي.

وسائل يسأل: ألى أيّ مدى يلعب النظام السوري دورا في هذا الخراب الذي يجتاح العالم، ويخطف الجمعة والجامع؟!

تعليق عبر الفيس بوك