المجد عوفي إذ عوفيت

محمد أحمد سلامة

أحببتهم فأحبوك، بنيت نهضتهم فحفظوا لك جميل العهود، حنوتَ عليهم فبادلوك ودًّا بود، اعتبرتهم أبناءك فاعتبروك أباهم، أرشدتهم فبت سِرَاجهم، ولكلِّ هذا جاء احتفالهم بالعودة صاخبا في دواخلهم، فرحا في تعابيرهم، صادقا في خروجهم زرافات ووحدانا.. ميَّزوك يا صاحب الجلالة عن باقي القادة والزعماء؛ فجاءت كلماتهم ليست كالكلمات، جاءت بطفولة الشعراء وميزان الحكماء ليس فيها كذب ولا رياء.

دمعت الأعينُ بحبٍّ صادقٍ لا تزلُّف فيه للمقدم الميمون، وبُحَّت الأصوات وهي تنادي بطول مقام ينير ظلمات الليالي التي أحسسنا بها جميعا وبدر البلاد يغيب عنها قسرا، واشرأبَّت الأعناق وهي تتابع السماء لرؤية الطائر الميمون وهو يحملُ داخله أخبارَ الخير بعودة الروح لكل عُمان وأهل عُمان، وكانتْ الأكفُّ تتسابق علوا وهي تتقرب للمولى -عزَّ وجلَّ- مُنادية بإلباس سلطان البلاد ثوبَ الصحة، وسمعنا الألسن وهي تلهج بصَوْت اختلطت فيه الأدعية والشكر للمنة التي حَبَا الله بها أهل عمان بالاستجابة لدعواتهم برفع البأس عن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله وأبقاه- وعودته سالما غانما لأرض اشتاقتْ لخطوات من سهر على بنائها.

قد لا أكون عُمانيًّا، إلا أنَّ ما شعرت به وأنا المقيم بأرض أهل اللبان، عندما تداولت وسائل الإعلام الخبرَ السعيد، كشف لي ما هو شعور الأخوة العمانيين، فالفرح كان طاغيا، والطمأنينة كانت هي سيد الموقف، والارتياح كان العنوان البارز لمشاعر اختلطت ما بين شوق وترقُّب لحلم تحقَّق، وانقشاع لغمة وانفراجة لهم، وسعادة لرؤية اليد الحانية التي لطالما بثت الكثير من المعاني وهي تُحيي شعبها، وترسل لهم رسالة الطمأنينة بعودة باني النهضة لإكمال مسيرة البناء والتعمير.

نعم إخوتي العمانيين.. لقد تقاسم معكم إخوتكم المقيمون ابتهاجَ اللحظات، وتشاركوا معكم لحظات الفرح بعودة الجلال والهيبة وشفاء عزيز لدينا بمثلما هو لديكم، فما رأوه من جميل الخصال يجعله شفيعًا لجلالتكم، وما لمسوه من كرم أياديكم البيضاء يمنحكم صكوك المحبة والولاء والعرفان، وما عايشوه من عدلكم أصْبَغ محبتكم في القلوب بمداد لا يبلى، وما لمسوه من أمن وأمان في بلدكم المضياف يضعكم فى حدقات العيون بلا رياء أو نفاق.

... إنَّ ما شهدناه في سلطنة عُمان منذ تولِّي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله وأبقاه- يُعدُّ -بأعمار الشعوب والدول- مُعجزة حقيقية في زمن ندُرَ فيه حدوث المعجزات؛ فلقد رأينا الخضرة تتغلب على عوامل الطبيعة، وتزدهر في منطقة عزَّت فيها المياه، وتابعنا الطرقات وهي تُعبَّد في طبيعة قاسية أقل ما يقال عنها أنها وعرة، ولمسنا الاهتمام بدور العلم الدنيوية والدينية في زمن قلَّ الاهتمام فيه بالعلم والعلماء، وعايشنا مراحل بناء الإنسان العماني رجلا كان أو امرأة، في زمن انتهى فيه الاهتمام بالإنسانية.. فحُقَّ علينا جميعا أن نطلق على هذه الحقبة المباركة "عهد النهضة".

... إنَّ مُفردات لغة الضاد تتقزَّم أمام ما كُتب وسيُكتب في جميل فعالكم، وفيما قدمتموه لوطنكم الأصغر عُمان ووطنكم العربي والإسلامي الأكبر، ومقدم جلالتكم رِئة يتنفس بها الوطن، وبشارات الفأل لكل من عايش عهدكم الميمون، وإسراج لحلو الخيال نحو مرافئ مزيد من التقدم والرقي، وراحة من قلقٍ تسلَّل للنفوس، وفرجه فرح تغيثنا كلما أدلهمَّت علينا المحن والملمات. إنَّها حقًّا عودة العافية للبدن، والمجد عوفي إذا عوفيت، وزال عنك إلى أعدائك الألم.

تعليق عبر الفيس بوك