فوزي عمار
بين عشية وضحاها، تحول الخبر من مُجرد نبأ عابر إلى زلزال جيوسياسي إسرائيل تعترف رسميًا بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة. لم يكن هذا مجرد تحرك دبلوماسي معزول، بل جاء بإعلان مشترك موقع من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ورئيس أرض الصومال، ووصفه بيان مكتب نتنياهو بأنه يتماشى مع "روح اتفاقيات إبراهيم".
الرد العربي والدولي كان سريعًا وحاسمًا بالإدانة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل نحن أمام نقطة تحول تُهدد أمن الخليج العربي ومصر، وتضع السعودية بين فكي كماشة إيران وإسرائيل؟
هذه الخطوة هي خرق للمواثيق الدولية هذا ما اعتبرته مصر؛ حيث أعلنت أنه "انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة"، بينما رأى الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه "تعدٍّ سافر على مبدأ وحدة الأراضي".
وحذر بيان عربي إقليمي مشترك ضم 20 دولة ومنظمة، من أن الاعتراف "باستقلال أجزاء من أراضي الدول يشكل سابقة خطيرة وتهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين".
وجاء رفض الاتحاد الأفريقي الخطوة، مؤكدًا التزامه "بوحدة وسيادة الصومال"، فيما وصفه السفير محمد حجازي بأنه يتنافى مع ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي يضع قدسية الحدود الموروثة كأول مبادئه".
لكن دعونا أولًا نفهم معاً ما خطورة هذه الخطوة؛ حيث تكمن أهداف إسرائيلية إستراتيجية عميقة واضحة وهي مرفأ عسكري في باب المندب الهدف الأساسي، وفقًا لتحليلات دبلوماسية، هو "تمكين إسرائيل من الوجود العسكري والأمني في القرن الأفريقي وبالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر". موقع أرض الصومال الإستراتيجي على مضيق باب المندب يمنح إسرائيل نفوذًا مباشرًا على أحد أهم الممرات المائية في العالم.
كما إنَّ هذا يعد خطرا حقيقيا في مسار أوسع لإعادة هندسة النفوذ الإقليمي في منطقة حساسة للأمن القومي المصري، وربطه بملفات أخرى مثل سد النهضة الإثيوبي.
والتهديد المصري هنا ليس افتراضيًا، بل هو تهديد وجودي للممر الاقتصادي الحيوي وهو خنق قناة السويس فمضيق باب المندب مدخل الطبيعي لـ 12% من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس، والأخطر دعم إثيوبيا في خلاف سد النهضة.
وتضع هذه الخطوة السعودية في مأزق إستراتيجي معقد؛ فهو ضغط مزدوج من جهة، يقترب الوجود الإسرائيلي من حدودها الجنوبية البحرية عبر باب المندب والبحر الأحمر. ومن جهة أخرى، يبقى الضغط الإيراني قائمًا من جهة الخليج العربي واليمن. هذا يجعل المملكة في حالة من الحصار الجيوسياسي المتعدد الجبهات.
وقبل أن تقع الواقعة على مستوى خرق السيادة وخلق سابقة تمزيق الدول، يجب منع تحول هذا الاعتراف الدبلوماسي إلى حقيقة استراتيجية وعسكرية راسخة على شواطئ باب المندب. الخطوة الإسرائيلية تهدف إلى تأبيد هيمنتها عبر خلق أمر واقع جديد.
اعتراف إسرائيل بأرض الصومال هو جرس إنذار والرد الفاعل يتطلب أكثر من البيانات الإعلامية. يتطلب وحدة رؤية عربية، وشراكات عربية أفريقية رصينة، ودبلوماسية ذكية تعيد ترتيب الأوراق.
الوقت ليس في صالح التردد؛ فالقوى الإقليمية والدولية تتحرك لملء الفراغ. فهل ستستطيع الدول العربية أن تتحرك قبل أن تقع الفأس على الرأس، أم أنها ستكتفي بمشاهدة تداعيات الزلزال الذي ضرب أساس الأمن القومي العربي الجماعي؟
