◄ الحامدي: بعض نماذج الامتحانات لاتزال تعتمد على قياس مهارات الحفظ
◄ العموري: طول الامتحان يجب أن يتناسب مع الوقت الزمني لتخفيف الضغط النفسي على الطلاب
◄ المنجي: بعض الاختبارات تكون أصعب من المُتوقع وهناك أسئلة تكون مُعقّدة
◄النظر في طرق إعداد الامتحانات لتكون وسيلة لبناء المُفكرين والمُبدعين
الرؤية- ريم الحامدية
يشتكي عدد من أولياء الأمور من صعوبة بعض الاختبارات الدراسية، مشيرين إلى أنَّ بعض نماذج الامتحانات تمثل تحديًا كبيرًا للطلبة وتؤثر على استعدادهم النفسي والتحصيلي.
وأوضحوا- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن بعض الاختبارات تميل إلى التركيز على الحفظ أو الأسئلة المُعقدة، الأمر الذي يزيد من الشعور بالتوتر لدى الطلبة، مطالبين بمُراجعة آلية إعداد الامتحانات لتكون عادلة ومتوازنة، مع مراعاة الفروق الفردية للطلبة والجانب النفسي، بما يُعزز الثقة في العملية التعليمية ويحول الامتحانات إلى أداة لقياس الفهم والمهارات الحقيقية.
وقال الدكتور سالم الحامدي مدير مدرسة بشمال الباطنة، إن أولياء الأمور يحرصون على تهيئة البيت خلال فترة الامتحانات لتوفير الدعم النفسي لأبنائهم، من خلال خلق بيئة تساعدهم على المذاكرة والاستعداد للامتحانات.

وأضاف أن المدرسة ممثلة بالهيئة التعليمية، تقوم بدورها في تقديم كل الإمكانات والوسائل المعينة للطالب، من خلال الانتهاء من الخطة الدراسية وتقويمها، وتقديم التغذية الراجعة، والتدريب على نماذج متعددة، وتطبيق امتحانات قياسية لما تم تدريسه وتعلمه، وفق المواصفات القياسية للورقة الامتحانية، ومعامل الصعوبة والسهولة، وتنوع الأسئلة بحسب سلم هرم بلوم، الذي ينطلق من القاعدة الرئيسة وصولًا إلى قمة الهرم المتمثلة في الابتكار، موضحا: "من خلال متابعة نماذج سابقة وتحليل طبيعة الأسئلة المُقدمة في مدارس سلطنة عُمان، يمكن القول إن ملاحظة مستوى صعوبة الامتحانات تتسم بدرجة من التوازن المخطط له بعناية، حيث لا تقتصر على قياس مهارات الحفظ والاسترجاع، بل تمتد لقياس الفهم العميق، والتطبيق العملي، والقدرة على التحليل، وحل المشكلات، والاستدلال، وأسئلة بناء القدرات العليا، بما يتماشى مع الاتجاهات الحديثة في تصميم المناهج الوطنية".
وأشار الحامدي إلى أنَّ أسئلة الامتحانات في المجمل تُظهر تناسقًا واضحًا مع ما تم تدريسه خلال العام الدراسي، إذ تأتي في إطار محتوى الكتب الدراسية والأنشطة الصفية، ومستندة إلى نواتج التعلّم المستهدفة، الأمر الذي يسمح للطالب المجتهد والمتابع بانتظام بالتعامل معها بثقة وجدية، مبيناً أنَّ مستوى الصعوبة يعكس التنوع في قدرات الطلبة، ويمنح المجيدين الفرصة لإبراز إجادتهم، دون إغفال أصحاب المستويات المتوسطة، في إطار التمايز بين المتعلمين واحتياجاتهم التعليمية.
ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، فإنَّ الأمر لا يخلو من جوانب تشكّل تحديًا لدى بعض الطلبة، حيث تتطلب بعض النماذج إنجازًا سريعًا ومهارات دقيقة لفهم الأسئلة والإجابة عنها بشكل صحيح، مؤكدًا أن هذا يستدعي تدريب الطلبة على إدارة الوقت بفعالية، وممارسة أساليب التفكير العليا، بدل الاعتماد على الحفظ التقليدي فقط.
وأكد الحامدي أن الامتحانات يمكن تقييمها باعتبارها عادلة في جوهرها ومتوائمة مع المناهج الدراسية، كما أنها تسعى إلى تحفيز الطلبة على تحقيق تعلّم حقيقي، مشيرًا إلى أنه مع توفير الإعداد الجيد خلال العام الدراسي، ودعم الأسرة والمدرسة لتعزيز مهارات الفهم والتطبيق عوضًا عن الحفظ وحده، تصبح هذه الامتحانات وسيلة فعّالة لقياس نواتج التعلّم وتنمية شخصية المتعلم المبدع، القادر على التفكير النقدي والمنافسة، وليس مجرد وسيلة للنجاح.
وفيما يتعلق بتركيز الاختبارات، قال إنه بصفته مديرًا لمدرسة ووليّ أمر في الوقت ذاته، ومن خلال متابعته للطلبة داخل الصفوف وفي البيت أثناء استعدادهم للامتحانات، فإنِّه لاحظ أن العديد من نماذج الامتحانات لا تزال تعتمد بدرجة أكبر على قياس مهارات الحفظ والاسترجاع، بدلًا من التركيز على تعزيز الفهم والتحليل والتفكير الناقد وحل المشكلات، لافتا إلى أنه رغم وجود بعض الأسئلة التطبيقية في عدد محدود من المواد، إلا أن هذا النهج لا يزال غير كافٍ.
وبيّن الحامدي أنَّ هذا التوجه ينعكس بشكل واضح على طريقة استعداد الطلبة، حيث ينشغل عدد كبير منهم بتكثيف الحفظ وإعادة مراجعة المحتوى ذاته عدة مرات، مع الاعتماد الكبير على الملخصات والنماذج السابقة، بدل السعي إلى تعميق الفهم، والربط بين المفاهيم، أو التدريب على مواجهة أسئلة جديدة وغير مألوفة، مضيفا أن الامتحان مع مرور الوقت يتحول إلى قياس للذاكرة أكثر من كونه فرصة لتقييم التعلّم الفعلي.
وأوضح مدير المدرسة أن هذا الأسلوب من الناحية التربوية قد يحقق بعض النجاحات السريعة على مستوى الدرجات، لكنه لا يضمن استدامة التعلّم، ولا يسهم في تعزيز مهارات التفكير العليا، بل قد يؤدي إلى تقليل الدافعية نحو التعلّم، ويجعل الاستعداد للامتحانات جهدًا موسميًا يقتصر على فترة محددة، مشددا على أهمية تحقيق توازن أفضل في تصميم الامتحانات بين الحفظ كقاعدة معرفية، وبين الأسئلة التي تقيس الفهم والتطبيق والتحليل، والاستدلال، حيث إن هذا التوجه سيغيّر من طبيعة الاستعداد للامتحانات ليصبح جزءًا من عملية تعلم حقيقية ومستمرة، وليس مجهودًا ظرفيًا، كما سيحوّل الامتحانات إلى وسيلة لبناء متعلمين مفكرين ومبدعين، بدل أن تكون مجرد أداة لقياس معلومات مختزنة بشكل مؤقت.
وعن الأثر النفسي، أوضح الحامدي أن صعوبة الاختبارات تؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية للطالب، ويتجلى ذلك في ثلاثة جوانب رئيسة، أولها القلق، إذ يرتفع لدى الطالب عندما يشعر بأن مستوى الأسئلة يتجاوز مدى استعداده أو لا يعكس ما تم تدريسه، ما يقلل من تركيزه ويضعف قدرته على استرجاع المعلومات حتى وإن كان مستواه العلمي جيدًا. أما الجانب الثاني فهو الضغط النفسي الناتج عن تراكم الاختبارات الصعبة، وما يرافقه من خوف من الفشل أو خيبة أمل الأسرة والمعلمين، ليتحوّل الامتحان من فرصة لإظهار القدرات إلى عبء نفسي يرهق الطالب. ويتمثل الجانب الثالث في فقدان الدافعية، حيث قد تؤدي الاختبارات المتكررة التي يُنظر إليها على أنها صعبة أو غير عادلة إلى الإحباط والشعور بعدم الجدوى، وتراجع الحماس نحو التعلم.
وحول الجهة الأهم في معالجة مسألة صعوبة الاختبارات، قال إن آلية التقييم تُعد الجهة الأكثر حيوية، لكونها تتحكم في مستويات الأسئلة من المعرفة والتذكر إلى الفهم والتطبيق والاستدلال والقدرات العليا، وتضمن توافقها مع نواتج التعلّم، بعيدًا عن الاجتهادات الفردية، موضحا أن آلية التقييم يجب أن تحقق التوازن بين مختلف جوانب التعلّم، وتمنع هيمنة جانب على حساب آخر، كما تسهم في تحقيق العدالة وتوحيد مستوى الاختبارات بين طلبة المدارس، بما يقلل من التفاوت في المستويات.
وأضاف أن نجاح آلية التقييم يعتمد على تكاملها مع المنهج من حيث عمق المحتوى والمهارات المستهدفة، ومع المعلم الذي يترجم المنهج إلى تعليم فعلي ويهيئ الطلبة لنمط الأسئلة، إضافة إلى البيئة المدرسية التي تلعب دورًا مهمًا في توفير الدعم النفسي والمناخ الصحي للتعلم والاستعداد.
من جانبه، قال ناصر العموري، وليّ أمر، إن صعوبة الاختبارات لا يمكن تعميمها على جميع المواد الدراسية، مشيرًا إلى أن بعض المواد تحديدًا تثير ملاحظات لدى الطلبة وأولياء الأمور.

وأوضح أن امتحان مادة الكيمياء للصف العاشر، على سبيل المثال، اشتكى منه عدد كبير من الطلبة، ليس من حيث صعوبة الأسئلة بحد ذاتها، وإنما من حيث عدد أوراق الامتحان، بما لا يتناسب مع الزمن المخصص للإجابة.
وفيما يتعلق بتركيز الاختبارات على الحفظ أو الفهم، أشار العموري إلى أنه لا يدّعي الاطلاع على مجمل الامتحانات، ولا يسعى إلى تقييمها من زاوية التركيز على الحفظ أو الفهم، إلا أنه عبّر عن أمله في أن تكون هناك مراعاة أكبر وتوزيع عادل بين جانبي الحفظ والفهم، بما يحقق التوازن المطلوب في قياس قدرات الطلبة المختلفة.
وحول الأثر النفسي، أكد العموري أن الامتحان عندما يكون بهذا الحجم لا يشكّل تحديًا علميًا فقط، بل يتحول إلى ضغط نفسي حقيقي، قد يؤدي إلى تشويش الطلبة وإضعاف قدرتهم على التفكير السليم، حتى لدى المتفوقين منهم، لا سيما في مرحلة دراسية مفصلية تتطلب قدرًا عاليًا من الاستقرار النفسي.
وأضاف العموري أن الجهة التي ينبغي أن يكون لها الدور الأكبر في معالجة مسألة صعوبة الاختبارات هي مركز القياس والتقويم التربوي بوزارة التربية والتعليم، موضحًا أن امتحانات المواد العلمية بصفة عامة، ومادة الكيمياء على وجه الخصوص، يجب أن تُبنى على مبدأ التدرج والتوازن بين عدد الأسئلة والزمن المخصص. وأشار إلى أن الامتحان الطويل إذا لم يُقابل بزمن كافٍ، يتحول من أداة قياس إلى اختبار للتحمّل النفسي وسرعة الكتابة، وهو ما يُعد انحرافًا عن الهدف الحقيقي من الامتحان.
وذكر العموري: "أبناؤنا الطلبة في هذه المرحلة الدراسية الحساسة، التي تمثل مفترق طرق في مسيرتهم التعليمية، بحاجة إلى بيئة تقييم منصفة تعزز الثقة في العملية التعليمية، بدل أن تحوّل الامتحانات إلى مصدر قلق وضغط، ويجب إعادة النظر في آلية إعداد الامتحانات، وضبط حجمها ومستواها والزمن المخصص لها".
وفي السياق، أوضح أحمد المنجي، وليّ أمر، أنه من خلال متابعته لأبنائه بشكل عام، يرى أن مستوى الاختبارات يُعد متوسطًا ومناسبًا في المجمل، إلا أن بعض الاختبارات في مواد معينة تكون أصعب من المتوقع، ولا تتوافق دائمًا مع مستوى الشرح الذي يُقدَّم داخل الصف، ما يخلق فجوة بين ما يتلقاه الطالب وما يُقاس في ورقة الامتحان.

وبين المنجي أنه يلاحظ أن بعض الاختبارات لا تقيس الفهم والتحليل بشكل مباشر، بل تتجه أحيانًا إلى أسئلة معقدة أو غير واضحة، الأمر الذي يربك الطلبة ويؤثر سلبًا على طريقة استعدادهم، ويجعل الامتحان مصدر حيرة بدل أن يكون أداة لتقييم مستوى استيعابهم الحقيقي.
وأشار المنجي إلى أن صعوبة الاختبارات تنعكس على الطلبة في صورة قلق وتوتر وضغط نفسي، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى فقدان الثقة بالنفس وضعف الدافعية نحو الدراسة، حتى لدى الطلبة المجتهدين، الذين يبذلون جهدًا كبيرًا طوال العام الدراسي.
وبيّن المنجي أن المسؤولية في معالجة هذه الإشكالية مسؤولية مشتركة، إلا أن آلية التقييم وإعداد الاختبارات يجب أن تكون أكثر ارتباطًا بالمنهج وطريقة التدريس داخل الصف، مضيفا أن للمعلم دورًا محوريًا في تدريب الطلبة على نماذج الأسئلة المتوقعة، إلى جانب ضرورة مراجعة المنهج ليكون أكثر واقعية، وأكثر ملاءمة لمستويات الطلبة المختلفة.
وأكد المنجي أن من المهم أن تكون الاختبارات أداة لقياس الفهم لا لإرباك الطالب، مع ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، مقترحا توفير نماذج اختبارات إرشادية، وتوحيد معايير إعداد الأسئلة، والاهتمام بالجانب النفسي للطلبة، لما لذلك من أثر مباشر وواضح على مستوى التحصيل الدراسي.
وفي رسالة وجّهها إلى وزارة التربية والتعليم، أعرب المنجي عن أمله في مراجعة آلية إعداد الاختبارات، لتكون أكثر مواءمة للمناهج وطرق التدريس المعتمدة داخل المدارس، وأن تركز على قياس الفهم والمهارات الحقيقية للطلبة، مع مراعاة الجوانب النفسية، بما يعزز ثقة الطلبة في العملية التعليمية ويحقق أهدافها التربوية.
