ماذا بعد رفض المقاومة للقرار الأمريكي بشأن غزة؟

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، الذي اعتمده مجلس الأمن بأغلبية 13 صوتًا وامتناع روسيا، مع الرفض المطلق من "حماس"، يمثل محطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، ليس فقط لكونه خطوة دولية جديدة في إدارة الصراع؛ بل لأنه يضع مشروعية المقاومة في مواجهة مباشرة مع إرادة دولية تتشكل حول مستقبل القطاع.

وبينما يرى البعض أن القرار قد يكون فرصة لإعادة بناء غزة وإخراجها من نفق الحرب والحصار، يراه آخرون- وتجسدهم فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس على وجه الخصوص- محاولةً لتفريغ المقاومة من مضمونها وإخضاع غزة لوصاية دولية جديدة لا تضمن أي استقلال فعليّ للفلسطينيين.

هذا القرار الذي تقوده الولايات المتحدة ضمن رؤية لإعادة صياغة غزة بعد الحرب، يتضمن إنشاء قوة دولية انتقالية تتولى إدارة القطاع وإعادة ترتيبه سياسيًا وأمنيًا. وبالرغم من عدم استخدام روسيا لحق النقض "فيتو"، فإن امتناعها عن التصويت يثير تساؤلات حول وجود توترات ضمنية بين القوى الكبرى في كيفية مقاربة المشهد الفلسطيني، ما يعكس أن القضية ليست فقط محط صراع إقليمي أو فلسطيني داخلي؛ بل هي جزء من مشهد دولي أوسع يحاول كل طرف فيه رسم حدود تأثيره.

ورفضُ فصائل المقاومة الفلسطينية للقرار هو العنصر الأساسي الذي سيؤثر على كل ما يمكن أن يتبع هذا القرار؛ فحركة حماس التي تُمثِّل القوة السياسية والعسكرية الأكبر في غزة، والتي سقط لها مئات الشهداء في مقاومة قطعان الاحتلال الصهيوني، ترى أن هذا القرار يهدف إلى سلب المقاومة شرعيتها وإعادة تشكيل قطاع غزة بما يتناسب مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بعيدًا عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمنًا باهظًا في وجه الاحتلال والحصار. وبالنسبة لها، فإن أي مشروع دولي لا يأخذ في الحسبان وجودها وقدرتها على التأثير على الأرض، بعد كل هذا الصمود وهذه التضحيات، محكومٌ عليه بالفشل. وترى أن القرار يشكل تهديدًا مباشرًا لوجود المقاومة ومشروعها السياسي؛ إذ يسعى إلى وضع إدارة انتقالية قد تستثنيها بالكامل أو تحجم دورها.

تفنيد حركتا حماس والجهاد الإسلاميتان للمشروع، يأتي من منطلقات متعددة؛ أولًا: أن القرار يفتقر إلى اعتراف حقيقي بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ويفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية، ثم يفرض وقائع جديدة تناقض ثوابت الشعب الفلسطيني، وينظر إليه كموضوع لإدارة دولية، وليس كفاعل رئيسي. ثانيًا: أن وجود قوة دولية قد يجر إلى صدامات داخلية إذا ما حاولت هذه القوة تنفيذ مهامها دون تنسيق مع القوى الفاعلة داخل غزة. وثالثًا: أن القرار يلتف على جوهر القضية المتمثلة في "الاحتلال" ويفرض آلية لتحقيق أهداف هذا الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية، ويحولها إلى مسألة إدارة أزمة إنسانية وأمنية دون معالجة جذور الصراع، وهو يعني بوضوح، أن لا إرادة فلسطينية على الأرض ولا مقاومة ولا سيادة ولا تحرير، وهذا هو بيت القصيد الذي تتمسك به كل فصائل المقاومة الفلسطينية، ومعها كل أصحاب القضية، وترفض التنازل عنه تحت أي حجج أو مبررات، انطلاقًا من أن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال يكفله القانون الدولي، وأن سلاح المقاومة هو الضمانة لهذا الحق.

ورغم هذا الرفض المُعلن والقوي، يبقى واقع ما بعد القرار يعتمد على موازين القوة على الأرض، وعلى مدى قدرة الأطراف الدولية على فرض رؤيتها، وقدرة حماس وفصائل المقاومة على المناورة. وإذا كان القرار يمثل “شرعية دولية” جديدة، فإن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية جميعها تمثل “شرعية مقاومة” لا يمكن تجاهلها. وبين الشرعيتين، يقف شعب غزة الذي أنهكته الحرب والحصار، ويجد نفسه بين احتمالات متناقضة: هل يمكن أن يرى في هذا القرار بداية لمرحلة جديدة تخرجه من دائرة النار؟ أم أنه يتحول إلى ساحة تجارب لتوازنات القوى العالمية؟

المشهد اليوم أكثر تعقيدًا مما يتخيله البعض، لكنه يحمل بوضوح معالم صراع جديد، ربما أهدأ في ظاهره، لكنه لا يقل ضراوة في مضمونه. ومن هنا يبقى السؤال الكبير: هل ستنجح واشنطن في فرض رؤيتها، أم ستعيد المقاومة تشكيل قواعد اللعبة؟

الزمن وحده سيكشف ما إذا كان هذا القرار خطوة نحو استقرار حقيقي، أم مقدمة لصراع جديد يطال هذه المرة شرعية المقاومة ذاتها.

الأكثر قراءة

z