حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يؤدي التمويل المالي دورًا كبيرًا في تعزيز تنمية اقتصادات الدول من خلال المشاريع التي يتم تأسيسها وتنفيذها على المستويين الحكومي والخاص والشراكة فيما بينهما. وقد أثبتت التجربة العُمانية أن العمل التكاملي بين الجهات المعنية يمثّل النهج السليم لتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد لمواكبة المتغيرات التي تشهدها الساحة العالمية.
وشهدت سلطنة عُمان خلال السنوات الخمس الأولى لانطلاق رؤية "عُمان 2040" تنفيذ العديد من المشروعات في المجالات الصناعية والخدمية والصحية والتعليمية والسياحية التي بلغ عددها أكثر من 100 مشروع استهدفت خدمة مختلف شرائح المجتمع والاقتصاد والتنمية بشكل عام، ووفرت عددًا من فرص العمل للعُمانيين الحاصلين على المؤهلات العلمية في عدد من المجالات المتاحة. وهذه النتائج تتحقق على مستوى الوطن وتعزى إلى وجود التمويل المالي المناسب لتلك المشاريع، الأمر الذي يؤكد ضرورة توفير المال من قبل المؤسسات التمويلية التي تديرها المؤسسات الحكومية وكذلك مؤسسات القطاع الخاص من البنوك والصناديق والمؤسسات التمويلية الخاصة على المستوى العالمي.
لذا فإن دور المؤسسات التمويلية مهم في دعم مشاريع التنمية في سلطنة عُمان؛ باعتبار أنها تؤدي دورًا محوريًا في دعم مشاريع التنمية سواء من الناحية المالية أو الاستراتيجية، وتنفّذ عدة وظائف مهمة عند تمويلها بسبب ارتباطها وتعلقها بالبنية الأساسية، والصناعات، والمشاريع المتوسطة والصغيرة ومشاريع الطاقة المتجددة وغيرها. وهذه المؤسسات تُوفِّر قروضًا أو استثمارات رأسمالية لدعم المشاريع طويلة الأجل التي قد لا تكون مربحة فوريًا. كما إنها تعمل على تحفيز الاستثمار الخاص، من خلال المشاركة في المخاطر مع القطاع الخاص وتشجّيعه على القيام بمشاريع تنموية وتقليل المخاطر التي تتحمّلها في هذا الشأن.
من جانب آخر، فإن هذه المؤسسات التمويلية تُسهِّل من عملية تمويل الابتكار وريادة الأعمال
للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصةً في القطاعات التقنية، وتساعد على تنمية اقتصاد المعرفة وخلق فرص عمل مبتكرة، وتقديم تمويل مستدام وصديق للبيئة، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة، بجانب ربط السياسات التنموية والاستراتيجية الوطنية بخطط التنمية الوطنية مثل تمويل مشاريع رؤية "عُمان 2040"، وتوفير أدوات دين سيادية للحكومة من خلال إصدار أدوات دين كسندات التنمية، والصكوك، بجانب تقديم الدعم الفني والاستشاري للمشاريع الصغيرة وريادية الأعمال بهدف تضخيمها في المستقبل وبشكل مستدام.
واليوم نجد في سلطنة عُمان العديد من المؤسسات التمويلية الحكومية والخاصة التي تقع على عاتقها مسؤولية التمويل للمشاريع والمبادرات التي تطرحها المؤسسات والافراد حيث تتمثل هذه المؤسسات التمويلية في كل من جهاز الاستثمار العُماني، الذي يمثل الجهة السيادية المسؤولة عن إدارة أصول الدولة والاستثمارات الاستراتيجية للدولة، بجانب صندوق عُمان المستقبل الذي يعمل على دعم المشاريع التنموية، والاستثمار في القطاع الخاص، وتنمية ريادة الأعمال، وصندوق عُمان المستقبل الذي تم تأسيسه من قِبل جهاز الاستثمار العُماني بالشراكة مع وزارة المالية من أجل توجيه الاستثمارات نحو المشاريع التنموية بجانب البنوك ومنها بنك التنمية العُماني لتوفير قروض لمشاريع السياحة، والصناعة، والطاقة الخضراء، والابتكار بجانب تخصيص جزء من التمويل لدعم مشاريع الشركات الصغيرة والمتوسط والشركات الناشئة، عبر شراكة أو إقراض.
لكن في جميع الحالات، هناك العديد من التحديات المُعقَّدة التي تواجه التمويل المالي في سلطنة عُمان ودول المنطقة بعضها تقليدي وبعضها ناشئ من التحولات الاقتصادية العالمية والمحلية. ويتمثل ذلك في الاعتماد الكبير على النفط والمخاطر المرتبطة به؛ فالاقتصاد العُماني ما يزال يعتمد بدرجة كبيرة على الإيرادات النفطية؛ مما يجعل التمويل السيادي والمالية العامة عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية؛ إذ يتسبب ذلك في تسجيل عجز سنوي غير متوقع في بعض الأحيان، ويُعرِّض خطط البلاد إلى مخاطر، مع ضرورة إعادة تمويل الدين في حال تراجعت الإيرادات. كما إن نقص أدوات التمويل المتقدمة يؤثر على تنفيذ المشروعات المدرجة في البرامج المخططة أحيانًا، بينما نجد أن هناك صعوبة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، نتيجة لافتقار أصحابها إلى المدخرات النقدية والعقارات للضمان المصرفي، ناهيك عن البيروقراطية وربما الفساد الذي يشوب بعض الإجراءات الإدارية، مما يعيق الوصول السريع للتمويل؛ الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود لتوعية أصحاب المشاريع حول الخيارات التمويلية المتوفّرة، واتباع الانظمة القانونية والتنظيمية والشفافية في عملية الشراكة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التطوير ليكون أداة فعّالة لتمويل مشروعات البنية الأساسية وفق رأي صندوق النقد الدولي. كما يحتاج ذلك إلى مرونة أكبر في تنفيذ بعض التشريعات القانونية والتقليل من تعدد الجهات التنظيمية التي تقوم بتمويل المشاريع، لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع المنظومة التمويلية وأدوات التمويل الوطنية، إضافة إلى تحفيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) لتوسيع البناء التنموي.
