قراءة في المشهد السياسي العربي

 

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يشهد الوطن العربي اليوم حالةً من الجمود والشلل والترقب محفوفة بكثير من اليأس والإحباط على الصعيد الرسمي والشعبي، وهذه الحالة غير مسبوقة منذ عقود الاحتلالات وحركات التحرر من الاستعمار بأنواعه، ولكن ما يُميِّز اليوم عن سابقه هو عودة الاستعمار الغربي الجديد على الأمة بطبوع جديدة وغير مألوفة؛ الأمر الذي سبَّب حالة من التشتت الفكري والجمود العقلي للتكهن بنهايات هذا المشهد الصادم.

أقطار عربية محورية تتنازعها الحروب وشبح التقسيم مثل: اليمن والسودان وليبيا، وأقطار أخرى تُهيمن عليها قوى الغرب والصهيونية بالنسبة والتناسب مثل: سوريا والعراق، وجغرافيات عربية أخرى تحت قصف ودمار وعربدة كيان العدو مثل غزة وجنوب لبنان.

المشهد على السطح مؤلمٌ للغاية ومُحبط، ويُنذر بأي سوء قادم يمكن للعاقل تخيُّله، من تقسيم الى إسقاط نُظم أخرى وحكومات أخرى في سياق "ربيع عبري" آخر يقضي على ما تبقى من قدرات للأمة العربية. هذا المشهد الحزين أصبح حديث الشارع العربي من المحيط الى الخليج، وأصبح السؤال العام لهذا المشهد على لسان كل مواطن عربي هو: ما مستقبل الوطن العربي؟ ويُقصد هنا ما السيناريو القادم على الأمة من قبل الغرب؟

جميع هذه التساؤلات الحائرة منطقية ومفهومة في ظل مشهد سطحي يُعربد فيه الكيان الصهيوني كما يشاء بمباركة ودعم غربي سخي وبتواطؤ عربي بالصمت المُطبق والمباركة من قبل البعض ممن ركبوا موجة الهزيمة وتشربوا بها.

لكن تحت السطح حقائق أخرى ومشهد آخر يتشكل بصمت لا يراه البائس ولا يقرأه المنبهر بالضجيج الغربي اليوم، وهذا المشهد الخفي هو حجم المقاومة والمناعة لدى هذه الأمة والتي يعرفها العدو جيدًا ويراها بالعين المُجردة وتُرعبه بقوة، فتدفعه الى كل هذا الضجيج والعربدة اعتقادًا منه بأنها السبيل المُنجِّي له والثأر المُسبق للطوفان القادم، والذي سينطلق من نهايات الطوفان الأول ولكنه أدهى وأمَرّ عليه وعلى رُعاته وداعميه.

هذا الكلام ليس كلامًا مُرسلًا، ولا إنشاءً من نسيج خيال، ولا عبارات لدغدغة المشاعر المُحبَطة وترميم ضررها؛ بل واقع من التاريخ القريب والحاضر المُعاش.

فما يدور على ساحة الوطن وجغرافيته هو السقف الأعلى لما يمكن للعدو فعله، هذا العدو الذي فقد قوته وردعه ورعبه في تفاصيل "طوفان الأقصى"، هذا الطوفان الذي كشف هنَّات وعوار وحقيقة العدو الذي لا يُقهر وجعله يوظف جميع أوراق قوته دفعة واحدة في الميدان فيفقد أهم عنصر لديه في المواجهة وهو عنصر المفاجأة.

لم يعد لدى العدو اليوم أي عنصر مفاجأة يمكنه استخدامه في مواجهة الطوفان القادم، فقد أصبح مكشوفًا تمامًا أمام فصائل المقاومة والرديف الشعبي، ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بل كشف هُزال الطرح التطبيعي وحقيقته وتوقيته أمام جدوى المواجهة.

كل ما يقوم به العدو اليوم هو ثأر للوجع الحالي، وثأر استباقي للوجع القادم المرتقب، فقد انطلق قطار المقاومة والرصاصة لن تعود الى فوهة البندقية، ولم يعد غصن الزيتون اليوم مطروحًا ولا مرافقًا للبندقية ولا مجردًا منها وكما كان عليه الحال في أزمات "كامب ديفيد" و"وادي عربة" و"أوسلو".

واقع اليوم لا يعكس سيناريو الغد على العدو، هذا العدو الذي يستنبت بحماقاته فصيلًا مُقاوِمًا جديدًا في جغرافية عربية جديدة، كلما حلُم بسيادته وعلوه، فاليوم يتهيأ العدو لمستنقع جديد ومحرقة جديدة من سوريا العروبة قلعة المجد العربي ورمز شموخه وصموده وعزته، لتنضم الى قلاع اليمن والعراق ولبنان وغزة، وستنضم جغرافيات فلسطينية بلا شك إلى قطار المقاومة فتحرق الأرض وتُزلزلها من تحت أقدام الصهاينة الغاصبين.

قبل اللقاء.. السؤال الطبيعي الذي يجب على عرب زماننا طرحه هو: عن مستقبل كيان العدو وعمره الافتراضي المتبقي؟! وليس عن مستقبل الأمة العربية العظيمة التي استعصت في ضعفها وفي قوتها عبر التاريخ على كل غازٍ ومحتلٍ ومتآمرٍ.

وبالشكر تدوم النِعَم.

 

الأكثر قراءة