سعيد المالكي
في نوفمبر، يتزيّن وطننا الحبيب عُمان، بالأعلام وتتلألأ الأرواح بفرحٍ يليق بتاريخ هذا الوطن وروحه. إنه شهر اليوم الوطني، شهر الاحتفال بما تحقق، واستذكار ما مضى، وتأكيد للعهد والوعد بما هو آتٍ.
شهرٌ تنشرح فيه الصدور وتتسع فيه القلوب وتلين فيه الكلمات، حتى وإن كانت تلك القلوب نفسها كتبت نقدًا أو وجهت ملاحظات طوال العام.
قد نكتب نقدًا، ولكن ليس من موقع الخصومة، ولا من باب التشكيك في النوايا. نكتب لأن هذا الوطن يسكن صدورنا وهو توأم أرواحنا، ولأن الحرص على إصلاح ما يمكن إصلاحه هو دليل الانتماء الحقيقي. فالحرص لا يصدر إلا عن انتماءٍ صادِق، والنصيحة لا يقدمها إلا من يخاف على بيته وأهله.
ومع ذلك، فإن الواجب الذي يخبرنا به القلب والعقل أن نرى الوجه الآخر من الصورة. أن نلتفت إلى ما تحقق من إنجازات، وما أُضيء من طرق، وما بُني من مؤسسات، وما احتُرم من كرامات، لنقول: الحمد لله أولًا على نعمه التي لا تُعد، ثم شكرًا لكل يد عملت بإخلاص، ولكل مسؤول حمل الأمانة بضمير حي، ولكل إنسان في هذه الأرض الطيبة أدى واجبه كما ينبغي، صغيرًا كان دوره أم كبيرًا.
الآية في سورة الضحى: "وأما بنعمة ربك فحدث" ليست دعوة للتباهي الفارغ؛ بل هي تذكير بأن النعم تزيد بالشكر، وأن الفرح بها جزء من حفظها. والأفراح الوطنية ليست ملكًا لأفراد، ولا مناسبات تخص فئة دون أخرى. إنها فرحة وطن بأكمله، تمتد من الجبل إلى البحر، ومن البادية إلى المدينة، وفي قلب كل عُماني أينما كان.
الاحتفال اليوم ليس مجرد صور وفعاليات؛ بل هو اعتزاز بما أُنجِز من خير، وتجديد عهد على أن يستمر العطاء. هو تأكيد على أن رفعة عُمان تنبع من رفعة الإنسان العُماني ذاته: في تعليمه، وكرامته، وفرصه، وحياته الكريمة.
احتفالنا اليوم ليس توقفًا عند الماضي، ولا هو مجرّد تذكير بما تحقق، بل نحتفل بما نحن قادرون على تحقيقه إذا اكتمل الإخلاص ووضحت الرؤية وثبتت الخطى. فهو استمرار لمسارٍ يقوم على العمل والوعي والمسؤولية.
نفرح في نوفمبر لأن هناك ما يستحق الفرح، ولأن الإنجازات حين تتحقق تضيء المكان والقلوب. وقد ننتقد حين يكون الإصلاح ضرورة، لأن حب الوطن لا يكتمل بالاحتفال وحده؛ بل بالمسؤولية أيضًا.
وبين الفرح والنقد تظل عُمان هي النية والغاية والطريق.
فلتكن أفراح نوفمبر تجديدًا للعهد بأن نواصل الطريق بقلوب محبة وعقول واعية، لنحفظ نعمة الوطن ونُعمِّق حبه في الأفئدة والقلوب.
