جابر حسين العُماني **
هل تحظى ابتكارات العلماء في العالم العربي بدعم حقيقي وسخي من قبل الحكومات، كما يحظى به لاعبو كرة القدم المتميزون؟
والعديد من بلادنا العربية والإسلامية تمنح لاعب كرة القدم الكثير من المميزات، فضلا عن الأجور المرتفعة التي يتقاضاها في بعض الأندية، بينما يبحث العالم والمفكر العربي عمن يدعم ابتكاره حتى في تلك الدول، فلا يجد من يدعمه إلا من رحم ربي.
فهل نحن العرب فعلا نذبح العلم على أعتاب الشهرة؟
لماذا يحظى اللاعب المتميز بدعم معنوي ومادي سخي من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة، بينما لا يحظى العلماء والمبتكرون بنفس ذلك الدعم الذي يتقاضاه بعض اللاعبين من رواتب ضخمة، وهدايا قيمة، ومكافآت فورية بعد كل مباراة يلعبونها، فضلاً عن التغطيات الإعلامية والتجارية، والإقامة الفندقية التي يحظون بها في أفضل الأمكنة التي تعزز من نفسيتهم كلاعبين محترفين خصوصا أثناء سفرهم إلى الخارج؟
نحن هنا لا ننكر أن كرة القدم هي من أهم الصناعات الجماهيرية المحببة في المجتمعات العربية والإسلامية، فهي تجذب اهتمام الجميع وتعزز الكثير من فرص الاستثمار، ومع ذلك لا ينبغي أن يقتصر تركيزنا عليها وحدها، ونغفل عن دعم العلم والعلماء في أوطاننا العربية والإسلامية.
اليوم عندما نتأمل أحوالنا العربية نجد هناك انخفاضا واضحا في حجم الإنفاق على البحث العلمي والابتكار.
وبالتالي فنحن بحاجة ماسة إلى وجود سياسات واضحة المعالم ومحددة الأهداف، تصب في اتجاه دعم نتاجات البحث العلمي للعلماء والمبتكرين والمخترعين، وإظهارها بما يليق بالمواطن العربي العالم والمبتكر والمخترع.
مؤسف جدًا ونحن في زمن التقدم والتحضر والذكاء الاصطناعي، نجد الشاب العربي المتفوق يبيع الشاي على أرصفة الطرقات، لأنه لم يجد من يهتم بإمكانياته وطاقاته وابتكاراته، وكم هو مؤسف أن نرى الطبيب القدير الذي لم يجد الاهتمام والتقدير في بلاده العربية، أصبح يقدم علمه وإمكانياته لصالح البلاد الغربية، وقس على ذلك الكثير من الشخصيات العربية المبدعة التي لم تحظ بالدعم المادي والمعنوي من حكوماتها.
اليوم وعلى رغم وجود بعض المبادرات العربية في دولنا العربية والإسلامية للاهتمام بالمبتكرين والمخترعين إلّا أن الدعم الذي يتلقاه العلماء والمبتكرين العرب يبقى محدودا جدا مقارنة بالدعم الذي يتلقاه لاعبي الرياضات المختلفة في الوطن العربي.
إن مجتمعنا العربي والإسلامي بحاجة ماسة إلى دعم العلماء والمبتكرين والاهتمام بهم، فذلك واجب قومي ووطني ومسؤولية أخلاقية عظيمة تقع على عاتق الجميع، ولا سيما الحكومات العربية والإسلامية، لذا ينبغي الاهتمام البالغ بما يلي:
أولا: تخصيص ميزانيات لدعم الأبحاث العلمية والابتكارات، ويأتي ذلك من خلال إنشاء صناديق تمويل للمجالات العلمية المختلفة في البلاد مثل مشاريع الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والطب، وغيرها من التخصصات العلمية.
ثانيا: سن التشريعات المناسبة التي تصب في حماية ودعم الملكية الفكرية للمخترعين والمبتكرين، وتسجيل اختراعاتهم وابتكاراتهم في الوطن العربي وخارجه.
ثالثا: احترام العلماء والمبتكرين والمخترعين وتقديرهم اجتماعيا وماديا، وذلك من خلال تخصيص ميزانيات كافية، وجوائز وطنية، ورواتب شهرية تليق بمكانتهم العلمية، إضافة إلى منحهم التفرغ اللازم لأداء مهامهم البحثية وتسويق ابتكاراتهم وتحويلها إلى منتجات وسلع.
رابعا: دعم وتشجيع النشر العلمي، بما يضمن وصول جهود الباحثين والمبتكرين إلى الجمهور بشكل أفضل وأجمل، دون أي حواجز أو عوائق تذكر.
خامسا: إنشاء مؤسسات متخصصة تقودها كوادر واعية تهتم بتشجيع ومتابعة المشاريع البحثية للمبتكرين، وذلك من خلال توفير الإمكانيات التقنية والإدارية والمالية الكافية والوافية بهدف تحويل أفكار المبتكرين إلى منتجات وطنية واجتماعية لها الأثر البالغ على المجتمع وأفراده.
وأخيرا.. إن احترام وتقدير أهل العلم يعد واجبا شرعيا وأخلاقيا يجب أن يتحمله الجميع، لذا ينبغي ألا نغفل عنهم، بل يجب احتواءهم ودعمهم بكل عزم وقوة وشموخ وذلك لتحقيق ازدهار وتقدم ونجاح أوطاننا العربية والإسلامية. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "اَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ اَلدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَأَمْثَالُهُمْ فِي اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ".
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
