جابر حسين العُماني **
أثناء زيارتي الأخيرة إلى مملكة البحرين، جمعتني جلسة حوارية مع عدد من المهتمين بالشأن الاجتماعي، وكان محور النقاش يدور حول قضية غلاء المهور في المجتمعات الخليجية، ولكن فاجئني ما ذكره بعضهم من أن مهر المرأة في مملكة البحرين الشقيقة، لا يتجاوز عند الأغلب ما بين 2000 إلى 3000 ريال عُماني فقط لا غير.
هناك من الأهالي في مملكة البحرين يقدرون عاليا الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، ويدركون جيدا أن ارتفاع المهور قد تثقل كاهل الزوج، وتؤثر سلبا على استقرار الحياة الزوجية فلا يطلبون لإتمام مشروع الزواج أكثر من الحاجة المطلوبة.
أما في بعض مجتمعاتنا الخليجية مع الأسف، يجبر الشاب المقبل على الزواج حتى وإن كان فقيرا معدما لدفع مهر باهظ الثمن إلى جانب تغطية تكاليف حفل الزفاف، والتي منها استئجار القاعة الواسعة، وإعداد الوليمة الفاخرة وتوفير هدايا العروس وغيرها، بهدف المباهاة وإرضاء الناس ومجاراة العادات السائدة في المجتمع، وبالتالي يضطر الكثير من الشباب المقبلين على الزواج إلى الاقتراض من البنوك، مما يوقعهم بعد الزواج في دوامة الديون المتراكمة، فتراهم يعيشون بعد حفلة الزفاف مع زوجاتهم تحت عبء وثقل الديون، وينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان إلى استجداء المساعدة من الناس والجمعيات الخيرية، أو مواجهة السجن إن عجزوا عن السداد.
إن من أهم الواجبات الاجتماعية التي ينبغي أن يتحملها الجميع هو العمل الجاد والمخلص لمواجهة ظاهرة غلاء المهور، لما لها من آثار سلبية على المجتمع وأفراده.
ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة بذل جهود كبيرة، ومن أبرزها وأهمها: توعية المجتمع أن فكرة غلاء المهور تتعارض مع التعاليم الإسلامية المقدسة، والإسلام الحنيف ينهى عن المبالغة فيها، ويدعو الناس إلى التيسير والتخفيف، والاسراع في عملية الزواج وعدم تأخيره أو تعقيده.
إن غلاء المهور يؤدي إلى ظهور العديد من الأزمات والتعقيدات الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسرة والمجتمع، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود لمعالجة ظاهرة المبالغة في ارتفاع المهور لما لها من آثار سلبية، والتي من أهمها تأخر الزواج وانتشار العلاقات المحرمة، وعليه ينبغي العمل بجد وإخلاص لما يلي:
• أولًا: رفع مستوى الوعي الاجتماعي والأسري؛ ويأتي ذلك من خلال استغلال وسائل الإعلام عبر انتاج البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تسلط الضوء على أهمية الزواج وفضائله، وما هي الآثار السلبية من ارتفاع المهور على الفرد والمجتمع، والتي من لوازمها انتشار الجريمة بكل أشكالها وتكاثر الأمراض.
• ثانيًا: التثقيف الديني؛ ويأتي ذلك من خلال استضافة العلماء الأفاضل في المساجد والجوامع والقاعات الثقافية والنوادي، وتعريف الناس بأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام وأصحابه الأجلاء حول أهمية الزواج وشؤم غلاء مهر المرأة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فَأَمَّا اَلْمَرْأَةُ فَشُومُهَا غَلاَءُ مَهْرِهَا" وقال "خَيرُ الصَّداقِ أيسَرُهُ" وهي مفاهيم يجب تعريفها للمجتمع حتى يتمكن من طمس ظاهرة غلاء المهور التي باتت تؤرق الشباب المقبلين على الزواج المقدس.
• ثالثًا: استثمار المدارس والجامعات في عقد اللقاءات التوعوية والحوارات البناءة، واقامة الورش الشبابية والاستفادة من خبرات التربويين من أهل التخصص في علم الأسرة، والتركيز على أهمية كيفية تسهيل الزواج وعدم المبالغة في غلاء المهور.
• رابعًا: إطلاق مبادرات اجتماعية مثل: "الزواج الجماعي" لتسهيل عملية الزواج على الشباب، والحد من التكاليف والجهد والإسراف وغيرها، ويأتي ذلك بدعم الجهات الحكومية والأهلية والجمعيات الخيرية التي ينبغي أن تكون مساندة للشباب في بناء أسر مستقرة ومطمئنة تسهم في خدمة البلاد والعباد.
وتشير الإحصائيات التي أعلنت في بعض مجتمعاتنا الخليجية إلى أن تأخر سن الزواج بات ظاهرة اجتماعية في الآونة الأخيرة، وذلك نتيجة لعدة أسباب باتت تؤرق المجتمع وأفراده، من أبرزها قلة فرص العمل التي جعلت كثيرا من الشباب عاجزين عن الإقبال على مشروع الزواج أو توفير السكن المناسب لهم فضلا عن ارتفاع المهور.
أخيرًا.. تقع على عاتق الجميع مسؤولية عظيمة وهي: الحفاظ على طاقات الشباب في المجتمع من الضياع والفساد، فنحن نعيش في زمن انتشر فيه الفساد كالنار في الهشيم، لذا ينبغي العمل على حماية الشباب من شياطين الجن والأنس، وأفضل ما ينبغي حفظهم به هو تيسير زواجهم واستقرارهم في الحياة.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
