ترسيخ ثقافة الأمانة الوظيفية.. ضرورة لا خيار

 

 

د. علي بن حمدان البلوشي

 

تُعد الأمانة الوظيفية أحد أهم القيم الأخلاقية والمهنية التي تقوم عليها المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، فهي ليست مجرد التزام قانوني أو تنظيمي؛ بل هي أساس متين لتطوير الأداء المؤسسي وتعزيز الثقة بين العاملين والإدارة وبين المؤسسة والمجتمع. في عالم يتسم بسرعة التغيرات وتعدد التحديات، تصبح الأمانة الوظيفية حجر الزاوية الذي يضمن للمؤسسات استمراريتها وقدرتها على تحقيق أهدافها بكفاءة وشفافية.

الأمانة الوظيفية هي التزام الموظف بأداء مهامه ومسؤولياته بكل نزاهة وشفافية وصدق، بعيدا عن أي استغلال للوظيفة أو إساءة استخدام السلطة. وتشمل الأمانة المحافظة على أسرار العمل، الالتزام بساعات الدوام، الإنجاز الفعّال للمهام، الحرص على المال العام أو موارد المؤسسة، والتعامل مع الزملاء والعملاء بعدالة واحترام ويكن القول انها منظومة متكاملة من السلوكيات الأخلاقية والمهنية التي تعكس وعي الموظف بمسؤوليته تجاه نفسه ومؤسسته ومجتمعه.

الأمانة الوظيفية لا تنعكس فقط على سمعة الموظف؛ بل تُسهم في رفع كفاءة المؤسسة بشكل عام. فعلى سبيل المثال، الموظف الذي يتعامل مع الموارد المالية بدقة وشفافية يحمي المؤسسة من الهدر والفساد، والموظف الذي ينجز عمله في الوقت المحدد يسهم في تحسين مستوى الخدمات أو المنتجات؛ مما يعزز رضا العملاء وثقتهم. كذلك، الموظف الذي يحافظ على سرية المعلومات الاستراتيجية يحمي المؤسسة من المخاطر التنافسية.

تكمن أهمية الأمانة الوظيفية في أنها تبني ثقافة مؤسسية إيجابية قائمة على الثقة، وتقلل من النزاعات الداخلية، وتضمن التزام الجميع بالقوانين والأنظمة؛ مما ينعكس في النهاية على استدامة نجاح المؤسسة. أما نتائج الالتزام بالأمانة فهي واضحة في صورة مؤسسات قوية، تحظى بسمعة طيبة، وتستقطب الكفاءات وتحقق أهدافها بفعالية.

لا يقتصر تعزيز الأمانة الوظيفية على الموظفين فقط؛ بل يلعب القادة والإداريون دورًا محوريًا في ترسيخ هذا المبدأ من خلال القدوة الحسنة؛ حيث يُتوقع من القيادات أن تكون النموذج الأعلى في الالتزام بالقيم الأخلاقية. كما تقع على عاتقهم مسؤولية وضع سياسات واضحة لمكافحة الفساد الإداري، وتطبيق معايير الشفافية في التوظيف والترقيات، وتقدير الموظفين الملتزمين وتشجيعهم، إضافة إلى نشر ثقافة المساءلة التي تجعل الجميع على وعي بأن الأمانة ليست خيارًا؛ بل واجب.

في الختام.. يمكن القول إن الأمانة الوظيفية هي جوهر النجاح المؤسسي وأساس بناء مؤسسات قادرة على الاستمرار في مواجهة التحديات؛ فالشفافية والمسؤولية هما عنوان هذه الأمانة، وهما الضمانة الحقيقية لاستدامة المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء. ومن هنا، يصبح ترسيخ قيم الأمانة الوظيفية التزامًا جماعيًا يبدأ من القادة ويستمر مع كل موظف، ليصنع بيئة عمل صحية تعزز الثقة وتدفع نحو مستقبل أفضل.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة