الأرواح العظيمة لا تخشى تغير الفصول

 

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

 

في عالم سريع التغير حيث تتقلب الأحوال والمواسم كما تتقلب المشاعر والأحداث يبقى الإنسان أمام تحدٍّ كبير كيف يحافظ على رغبته في الحياة وعلى أمله وعلى قدرته على التجدد مهما كانت الظروف الخارجية؟ الإجابة تكمن في الأرواح العظيمة التي لا تخشى تغير الفصول لأن ربيعها ليس في مظهرها ولكن تجده في الأمل الذي يُزهر بداخلها، فقد يبدو هذا الكلام شعريًا لكنه يحمل في طياته درسًا عمليًا لكل إنسان يسعى للنمو والتطور، فالفصول بكل جمالها أو قسوتها ليست سوى مراحل عابرة في حياة الإنسان وأحيانًا تجلب لنا الشمس والزهور وأحيانًا الأمطار والبرد، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه التقلبات على مزاجنا وحالتنا النفسية ولكن الأبطال الحقيقيين هم أولئك الذين يجدون في داخلهم مصدرًا دائمًا للدفء والأمل مهما كانت الظروف الخارجية.

الأمل كما يراه علماء النفس والمفكرون ليس مجرد شعور عابر وإنما طاقة حقيقية تُسهم في بناء الشخصية وتقويها، وإنه القوة التي تدفع الإنسان للاستيقاظ بعد كل سقوط والمضي قدمًا رغم العراقيل، ويمكننا أن نتصور حياة أي شخصية عظيمة في التاريخ فأينما نظرنا نجد أن الأوقات العصيبة كانت حاضرة ولكن ما ميَّز هؤلاء الناس هو القدرة على النظر إلى الأمام بثقة ورؤية المستقبل كفرصة للتجدد لا كعائق، وفي هذا السياق تتجلى أهمية "الربيع الداخلي" الذي يحمله الإنسان؛ إذ إنه ليس مرتبطًا بالزهور أو الطقس أو الأحداث الخارجية وإنما مرتبط بنظرة الإنسان للحياة وبقدرته على تحويل التحديات إلى فرص، فالشخص الذي يملك هذا الربيع الداخلي لا ينهار أمام الصعاب ولكنه يستخدمها كوقود للنمو، فعلى سبيل المثال العديد من العلماء والمفكرين والفنانين عاشوا فترات من الحرمان أو الفشل ومع ذلك تمكنوا من إنتاج أعمال خالدة لأنها جاءت من مصدر أمل داخلي لم يتوقف عن الإزهار.

نجد دائمًا أن للأمل الداخلي تأثيرًا ملموسًا على الصحة النفسية والجسدية للإنسان فالدراسات الحديثة تشير إلى أن الإيمان بالقدرة على التحسن والتفاؤل يعززان جهاز المناعة ويقللان من مستويات التوتر ويزيدان من القدرة على اتخاذ قرارات سليمة، بمعنى آخر الإنسان الذي يزرع في نفسه بذور الأمل لا يحمي روحه فقط ولكنه يحافظ أيضًا على جسده، هذا من زاوية ومن زاوية المنظور الاجتماعي يحمل هذا المفهوم رسالة قوية فالمجتمع الذي يحتضن الأمل ويشجع على القوة الداخلية لأفراده يصبح أكثر مرونة وقدرة على مواجهة الأزمات، فالأرواح العظيمة لا تتأثر بالظروف العابرة ولكنها تلهم الآخرين على مواجهة الصعاب وتزرع فيهم بذور التفاؤل، ويمكن أن نرى أثر ذلك في المجتمعات التي تجاوزت الحروب والكوارث حيث كان الأمل الداخلي للأفراد العامل الحاسم في إعادة البناء والنهضة، ولكن كما في كل فصل يحتاج الإنسان إلى صبر وممارسة فلا يكفي أن يقول المرء لنفسه "سأظل متفائلًا" بل يجب أن يتحرك في حياته اليومية يقرأ ويتعلم ويساعد الآخرين ويعبّر عن مشاعره، ويبحث عن الجمال في كل صغيرة وكبيرة حوله، وكل هذه الممارسات تغذي ربيع الأمل الداخلي وتجعله مزدهرًا رغم العواصف والتغيرات.

في النهاية يمكن القول إنَّ الأرواح العظيمة هي أولئك الذين فهموا سر الحياة أنها ليست في الظروف الخارجية ولا في الأحداث العابرة ولكنها في الطريقة التي نختار أن ننظر بها إليها، إنها في القدرة على الحفاظ على الأمل وعلى الزهرة الداخلية التي لا تتأثر بالبرد ولا بالحر، فحين نزرع الأمل داخلنا نصبح قادرين على مواجهة أي فصل قادم لأنَّ ربيعنا لن يغيب أبدًا، وبهذه الروح تصبح الحياة رحلة من التجدد المستمر، رحلة تتجاوز الخوف من التغير، رحلة يرى فيها الإنسان في كل فصل فرصة جديدة للزهر الداخلي، فرصة للإبداع وللنمو ولإحداث فرق في حياته وحياة من حوله؛ إذ إن ربيع الأرواح العظيمة يزهر دائمًا مهما تغيرت الفصول.

الأكثر قراءة