صالح بن سعيد الحمداني
في كل مرحلة من مراحل حياتنا نقف أمام لحظات عصيبة تظللها الغيوم الثقيلة لليأس والإحباط؛ قد تكون خسارة عمل أو مرضًا مزمنًا أو فقد عزيز، أو حتى إخفاقًا في تحقيق حلم طال انتظاره، وفي مثل هذه المواقف يبدو الطريق مظلمًا والعقل مثقلًا بالهواجس، لكن وسط كل ذلك هناك شعلة صغيرة لا تنطفئ مهما اشتدّت الرياح "شعلة الأمل"، فالأمل ليس مجرد شعور عابر بالطمأنينة وإنما قوة خفية تدفع الإنسان للاستمرار وتمنحه طاقة للبحث عن غدٍ أفضل، ولعل أجمل صورة لتجسيد هذا المعنى ما قيل "لا بُدَّ لشُعلة الأمل أن تُضيء ظلمات اليأس ولا بُدَّ لشجرة الصبر أن تطرح ثمار الأمل"، وفي المقابل اليأس حالة طبيعية قد يمر بها كل إنسان، لكنه يصبح خطيرًا حين يستقر في النفس ويغلق جميع الأبواب، وهنا تتجلى أهمية الأمل باعتباره النور الذي يشق عتمة الطريق.
في الأزمات الاقتصادية مثلًا حين يفقد الشباب فرص العمل يصبح الأمل في غدٍ أفضل هو الحافز لمواصلة البحث وعدم الاستسلام، وفي المرض نجد أن الأطباء أنفسهم يرددون أن "نصف العلاج يبدأ بالأمل"، لأنَّ المريض الذي يتمسك به يقاوم الألم بشكل أقوى بينما من يستسلم لليأس يضعف جهازه النفسي والجسدي، وبكل يقين نعلم جميعًا بأنَّ الصبر طريق الأمل والباب الذي يوصلنا إليه، ولكن هل الأمل وحده يكفي؟ الجواب حتمًا لا يكفي، لا يكفي أن نعيش على الأمل لأنه بحاجة إلى جذر عميق يستند إليه، وهذا الجذر هو الصبر فكما أن الشجرة لا تطرح ثمارها بين ليلة وضحاها كذلك الأمل لا يتحقق إلا إذا تسلحنا بالصبر على مشاق الطريق، فالصبر ليس استسلامًا كما يظنه البعض وإنما فعل إيجابي واعٍ يعني أن نحتمل الألم دون أن نفقد البوصلة وأن نواصل السير برغم التعثر، ولولا الصبر لما تمكن الأمل من أن يصبح حقيقة، فالصبر هو الذي يحول الأحلام إلى إنجازات والمعاناة إلى دروس والعثرات إلى خطوات جديدة نحو الأمام، فما العلاقة بين الأمل والصبر؟
يُشبه الأمل الشعلة التي تنير الدرب بينما الصبر هو الزيت الذي يبقي تلك الشعلة متقدة، فلا قيمة للأمل إذا انطفأ عند أول هزيمة ولا للصبر إذا لم يكن موجهًا نحو أمل يضيء القلب، انظر إلى قصص الناجحين في العالم جميعهم تقريبًا مروا بمحطات صعبة لكنهم تمسكوا بالأمل وصبروا حتى تحول الحلم إلى واقع، المخترعون الذين فشلوا مئات المرات قبل أن ينجحوا والطلاب الذين تغلبوا على ظروف الفقر ليصلوا إلى أعلى المراتب والمرضى الذين تحدوا آلامهم حتى استعادوا حياتهم، كلها أمثلة تثبت أن الأمل لا يثمر إلا بالصبر وأن الصبر لا يؤتي أكله إلا إذا ارتبط بالأمل، والتاريخ مليء بالشخصيات التي جسدت هذه المعادلة، فالعالم توماس إديسون جُوبه بالفشل آلاف المرات وهو يحاول اختراع المصباح الكهربائي لكنه ظل يتمسك بالأمل ويصبر على المحاولة حتى أنار العالم كله باختراعه، وفي تاريخنا العربي والإسلامي نجد أن الأمل والصبر كانا مفتاح النهضة والانتصار فالرسول ﷺ حين حوصر في شعب مكة ثلاث سنوات لم يفقد الأمل وظل يصبر على البلاء حتى جاء الفرج، وكذلك فعل العلماء والمفكرون الذين صبروا على طلب العلم عقودًا فكان عطاؤهم ثمرة أمل لم ينقطع.
لا يحتاج الأمل إلى ظروف مثالية كي يعيش، ونجده يظهر في تفاصيل بسيطة من حياتنا اليومية ابتسامة مريض رغم ألمه، ودمعة أمٍّ تنتظر ابنها الغائب، وطالب يستيقظ فجرًا ليذاكر من أجل مستقبله، هذه اللحظات الصغيرة هي التي تُبقي الإنسانية وتمنح العالم معنى، ولعلنا اليوم- في ظل ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية وحروب وتغيرات مناخية- بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى نشر ثقافة الأمل والصبر، ليس لأنهما شعارات جميلة، ولكن لأنهما شرط لبقاء المجتمعات متماسكة وقدرتها على مواجهة التحديات.
ولكي نحافظ على شعلة الأمل علينا التحلي بالإيمان العميق، فالإيمان بالله يمنح الإنسان يقينًا بأن الفرج قريب وأن وراء كل عسر يسرًا، وان نعيش في بيئة إيجابية فعندما تكون محطاتنا كلها أشخاص متفائلين وصابرين تساعدنا على مواجهة الصعاب، وعندما يكون فكرنا مشبع يقينًا بأن الأمل ليس أحلامًا مجردة، الأمل خطط واقعية مدعومة بالعمل، وإذا علمنا بأن الاعتراف بالصعوبات لا يعني التفاؤل إنكار الألم وإنما مواجهته مع الثقة بالقدرة على تجاوزه، بهذه العوامل نحافظ على شعلة الأمل، ونكرر مرارًا وتكرارًا لا بُد لشعلة الأمل أن تضيء ظلمات اليأس ولا بد لشجرة الصبر أن تطرح ثمار الأمل، هذه ليست مجرد كلمات شاعرية وإنما هي قاعدة حياتية، فكلما تمسكنا بالأمل وصبرنا على طريقه ازددنا قوة وقدرة على تجاوز المحن، فإن الأمل هو الحياة نفسها والصبر هو وقودها، ومن يجمع بينهما يكتب قصته بألوان من نور مهما كانت العتمة من حوله.
