علي بن سالم كفيتان
بعد صراع فلسطيني من أجل الاستقلال دام قرابة 80 عامًا عاد توني بلير (رئيس وزراء بريطانيا الأسبق) ليُنصَّب مندوبًا ساميًا يحمل بصمات ذات المُستعمِر الذي منح الأراضي العربية الفلسطينية للصهاينة، وهذه الأخبار هي التي يُخبئها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويَعِد بإعلانها كمُفاجأة لحل قضية الشرق الأوسط، وسيكون مخيبًا للآمال إن كان العرب والمسلمون الذين اجتمعوا معه قبل أيام في واشنطن هم من طبخوا عودة الانتداب البريطاني لفلسطين بعد كل الدماء التي سالت وكل العذابات التي ذاقها الفلسطينيون.
سيكون "بلير فلسطين" هو النسخة المُعدلة من بول بريمر العراق، وسيُنصَّب حاكمًا عامًا للأراضي المُحتلة، ولا غرابة أن بلير وبوش الابن هما من دمَّرا العراق وجلبا بريمر لحكمها، وهنا التساؤل: هل سيصبح محمود عباس عضو مجلس الحكم الذي يقوده بلير؟! لا أعتقد أن السُلطة الفلسطينية باتت تملك من نفسها شيئًا ولا الغرب كذلك، فبعد أن فرَّطوا في البندقية بات عليهم الاستسلام والرضوخ وقبول الذل والهوان. وهذا السيناريو سيتكرر في دول عربية أخرى لا محالة، حتى يعود المندوبون الساميون جميعًا إلى مراكزهم التي كانوا يشغلونها في القرن الماضي.. فهل يتعظ العرب؟!
ومن تعرضوا للضربات الإسرائيلية لأوطانهم وكرامتهم لم يصدروا سوى بيانات جوفاء لا تُسمن ولا تغني من جوع، وآخر تلك الضربات كانت لدولة قطر؛ فمرَّت السحابة وعاد العرب إلى أكناف البيت الأبيض يرجون من ترامب السلامة برؤوسهم من ضربات نتنياهو وعربدته في المنطقة، بينما كانت إيران واليمن ولبنان، الجبهات الوحيدة التي قاومت الطغيان الصهيوني؛ فنالها الغضب الأمريكي، وناخت ركابها، وعادت إلى بيت الطاعة جميعها إذا ما استثنينا الجبهة اليمنية التي ما زالت في أرض المعركة.
أردوغان بات خليفة الشرق الأوسط الجديد الذي نصَّبه ترامب قبل أيام وأشاد برغبته وحُلمه العثماني لحكم سوريا وبلاد الشام برؤية غربية تمنح لإسرائيل السيطرة، وترتهن شعوب المنطقة بالخوف والتنكيل لمن عصى الوالي العثماني المُنصَّب من الباب العالي في واشنطن. الكل بات عليه الجلوس مع مجرم الحرب نتنياهو وطلب رضاه، وإلّا حلَّت به الويلات والنكبات رغم كل الإتاوات التي يدفعونها لسيد البيت الأبيض.
لقد كان للسلطان قابوس بن سعيد- عليه رحمة الله- نظرة بعيدة المدى باقتراحه تأسيس جيش خليجي موحَّد عالي التدريب والتسليح قوامه 100 ألف مُقاتل مُزوَّد بأفضل الأسلحة والعتاد كقوة دفاع وردع عن شعوب الخليج ومقدراتهم وكرامتهم، لكن الجواب كان في حينها "إذا كانت عُمان لديها جبهات قتال، فإنَّ البقية لا علاقة لهم بذلك"! فتصالح المغفور له بإذن الله، مع كل جيرانه وأخمد النيران، ورسم الحدود؛ ليمنح شعبه ضمانة جديدة للحياة، ويَئِد الجهل والتناحر، فأصبحت عُمان واحة أمان واستقرار وثبات على المواقف الخالدة لنُصرة المظلومين، وفي مُقدمتهم الشعب الفلسطيني المنكوب.
إذا أعلن ترامب عن مندوبه السامي والحاكم العام لفلسطين والشرق الأوسط توني بلير، فهذا يعني عودة إلى حقبة الاستعمار المباشر للوطن العربي.