علي بن سالم كفيتان
كتبتُ مقالًا في بداية أحداث السابع من أكتوبر 2023 عنوانه "نتنياهو فوق الشجرة"؛ فهذا المجرم صعد إلى قمة مطالب وأمانٍ لا يستطيع تحقيقها، بعد اللطمة التي تلقاها من المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، وحاول العالم بأسره إنزاله من على تلك الشجرة التي علق فوقها، لكنه أبى النزول بأقل الخسائر، وظل يصيح كالديك بمطالبه الوهمية؛ كإعادة الأسرى بالقوة ومحو "حماس" من الوجود، ورفض خيار إقامة دولة فلسطينية.
الأسرى لم تحررهم القوات الصهيونية رغم عامين من القتال؛ بل إن طاولة المفاوضات في شرم الشيخ و"حماس" هي التي تقعد على طرف الطاولة لإحلال السلام مع ترامب، والدولة الفلسطينية اعترفت بها معظم شعوب الدنيا؛ بما فيهم المستعمر الأزلي لأرض فلسطين ومانحها للصهاينة: المملكة المتحدة. فعن أي انتصار يمكن أن يتحدث نتنياهو بعد أن تقهقر جيشه خائبًا من أرض المعركة؟ ولم يحقق هدفًا واحدًا من أهداف الحرب التي أعلنها، بينما فَرضت المقاومة كلمتها وثَبُتَتْ على مبدأها بأنه لا أسرى إلّا بالانسحاب وإدخال المساعدات وإعمار غزة وفتح المعابر. وجميعها تحققت من أول يوم لبدء اتفاق وقف إطلاق النار؛ حيث ظهر خليل الحية ورفاقه منتصرين، وصرح بكل قوة وثبات تصريحًا وحيدًا، بينما ظل نتنياهو ينق كالضفدع في مستنقعه بجوار بن غفير وسموتريش، يتودد لهما لئلا يُسقطا حكومته العنصرية الفاشلة.
لا أحد ينكر الدور الداعم لدولة قطر وجمهورية مصر العربية ونفوذ المملكة العربية السعودية الذي مارسته لاعتراف دول من الوزن الثقيل بالدولة الفلسطينية مثل بريطانيا وفرنسا، كما إن قصف قطر وإرغام نتنياهو على الاعتذار لها من البيت الأبيض، يُعد صفعة سياسية لرئيس حكومة الكيان المجرم. والأهم أن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ورفضه التهجير قد أجهض مشروع الحكومة المتطرفة المتعطشة للدماء والإبادة الجماعية. وبهذا سقطت ورقت التوت عن نتنياهو؛ فأنزله ترامب بالقوة والعرب ينادونه عليك بالنزول والعودة لنا لنتفاوض في شرم الشيخ. ورغم ما مُنح نتنياهو من وقت وما زُوِّد به من عتاد ودعم منقطع النظير، ورغم تآمر القريب والبعيد، وحرمان المقاومة من الدعم للدفاع عن النفس، فشل نتنياهو وأثبت أنه أسوأ زعيم صهيوني جلب الخيبات لشعبه وللمنطقة، وبات منبوذًا ومُلاحَقًا في معظم دول العالم. هكذا هي الصورة الحقيقة بعد الاتفاق الأخير، والتي لا يمكن تجاهلها.
عادت حماس لتمارس أعمالها في تنظيم الحياة بالقطاع، وتأمين عودة الغزيين إلى بيوتهم، وتأمين الحياة العامة، وتبدَّد حلم اجتثاث حماس من غزة منذ اليوم الأول للاتفاق، رغم موافقتها على حكومة وطنية فلسطينية من التكنوقراط لتتولى القطاع، ولم يظهر توني بلير في شرم الشيخ؛ بل وُعِد بمكتب في تل أبيب لإدارة المساعدات الإنسانية. فهل سيشكل بلير مجلس حكم أم سيتبدد هذا الحلم الخائب مع صاحبه الذي استنسخه من حكم بريمر للعراق بعد الغزو الأمريكي وفشله الذريع هناك؟ فلا يزال العراق يعاني من بصمات بريمر إلى اليوم رغم التعافي الأخير مع حكومة السوداني.
ما يلفت الأنظار في المفاوضات الأخيرة في مصر أن القادة الفلسطينيين الذين استهدفهم نتنياهو في الدوحة هم من يفاوضه اليوم في أرض الكنانة؛ فمصر قد تمرض ولكنها لا تموت، فهل يجرؤ نتنياهو على لمس شعرة من قادة المقاومة في مصر؟ وإن فعل سيعلم أن ذلك من أكبر الكبائر التي لا يستطيع تكفيرها. لهذا نشعر بعزة مصر وقوتها ونعلم أنها البوابة الأولى والأخيرة للعرب.
تركيا باتت لاعبًا رئيسًا في المنطقة وأردوغان تداعبه مُجددًا أفكار الخلافة العثمانية وطموحات الباب العالي، في ظل دعم ترامب اللامحدود لتركيا، وهي اليوم حاضرة بقوة في مفاوضات شرم الشيخ، وهي التي تُقدِّم نفسها كشريك الإدارة القطاع في المرحلة المقبلة، عبر قوات حفظ السلام ودعم الإغاثة والإعمار، الذي سيقود ترامب لتحقيق حلمه في غزة؛ ليجعل منها "ريفيرا الشرق الأوسط"- كما يزعم- بإعادة تخطيطها كمشروع عقاري عالمي، بعيد كل البعد عن إقامة دولة فلسطينية ومنح الحرية للشعب الفلسطيني.
فهل هادن العرب ترامب وتماشوا مع أحلامه المجنونة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من أرواح الفلسطينيين المنكوبين؟!
في الحقيقة الفرحة كانت غامرة بانسحاب الجيش الصهيوني وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم أو إلى ركامها، وتنفس مليونا إنسان الصعداء، بعد عامين من الحرب والتنكيل والتجويع والحرمان. وهذا يجعلنا لا نقلل من أهمية الخطوة، مهما كانت تبعاتها.