صالح بن سعيد الحمداني
حينما نتأمل في مسار الحضارات الإنسانية نجد أنَّ كل نهضة ارتبطت بوجود طاقات شبابية مُتقدة تحمل فكراً متجدداً وإرادة صلبة، فالشباب هم وقود التغيير في تاريخ الحضارات، وعقولهم الواعية المفعمة بالعلم والمعرفة قادرة على صياغة حلول مبتكرة لأكثر القضايا تعقيداً، وإنّ الأفكار التي يولدها عقل متعلم تحمل في جوهرها شعلة من العطاء ورسالة من الإيمان بأنّ البناء يبدأ من الفكرة وأنّ المجتمعات لا ترتقي إلا بعقول تفكّر وقلوب تؤمن بقدرتها على صناعة الفرق.
ولا يختلف اثنان على أنَّ الأفكار المكتسبة مصدر للعطاء وإنّ الأفكار لا تُقاس بكثرتها بل بقدرتها على التغيير والتطوير وحين تكون هذه الأفكار نابعة من عقول متعلمة فإنّها تتحول إلى مشاريع واقعية تسهم في خدمة المجتمع، فالعلم يصقل التجربة ويمنح صاحبه رؤية أوسع لفهم المشكلات وتحليلها بعمق والشباب حين يجمعون بين العلم والإرادة يزرعون في المجتمع روح العطاء التي تُترجم في مبادرات تطوعية وأبحاث علمية وحلول إبداعية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
إنّ الأمم لا تُبنى بالحجارة وحدها ولكن تُبنى بالعقول قبل الأيدي، فالفكر البنّاء هو الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، والتاريخ يثبت أنّ أعظم القفزات الحضارية تحققت حينما استثمرت المجتمعات في شبابها وفتحت لهم أبواب الإبداع والابتكار، فالشاب الذي يمتلك فكراً راقياً وبصيرة نافذة يصبح قادراً على تحويل الأحلام إلى خطط ويترجم الخطط إلى إنجازات ملموسة، في مجالات التعليم والصحة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة.
من أبرز ما يميز الشباب المتعلم هو امتلاكه نور البصيرة الذي يجعله يرى ما وراء اللحظة الراهنة، فالرؤية الواضحة تمكّنهم من استشراف المستقبل ورسم مسارات جديدة تتناسب مع احتياجات المجتمع وتطلعاته وحين يُمنح هؤلاء الشباب الفرصة للتعبير عن أفكارهم فإنهم يفتحون أبواباً من الأمل ويرسمون ملامح مستقبل أكثر إشراقاً فالمجتمعات التي تؤمن بالشباب وتتيح لهم مساحة للإبداع هي التي تستطيع أن تحقق أهدافها الكبرى وتتصدر مسار التقدم.
وكلنا يتفق بأن الأفكار البناءة هي تلك الحلول للقضايا العالقة.... والعالم اليوم يواجه تحديات معقدة من التغير المناخي إلى البطالة ومن الفقر إلى قضايا التعليم، وغيرها من قضايا وأمور وهذه التحديات لا يمكن معالجتها بالأساليب التقليدية وحدها بل تحتاج إلى أفكار مبتكرة تخرج من عقول شابة متعلمة تمتلك الجرأة والرغبة في التغيير.
وإنّ إيمان الشباب بأنّهم جزء من الحل يجعلهم يبحثون عن طرق جديدة مبتكرة حديثة وبرؤى علمية للتعامل مع هذه القضايا سواء من خلال الأبحاث العلمية أو ريادة الأعمال أو المبادرات الاجتماعية وبهذا تصبح الأفكار البناءة جسرًا يعبر بالمجتمعات من واقع مليء بالعوائق إلى مستقبل تزدهر فيه فرص النمو والتطور.
الشباب ثروة الأمم وعمادها وهم عماد الأمل والتجديد، عندما يتمسّك كلٌّ منهم بالتعليم وتطوير النفس والسعي إلى صقل مواهبهم بعيدًا عن الاتكالية وإنّ قيمة الشباب لا تكمن فقط في أعمارهم بل في طاقتهم التي لا تعرف الحدود، هم أكثر الفئات قدرة على التكيف مع التغيرات وأكثر استعداداً لتبني التكنولوجيا وأكثر شجاعة في مواجهة التحديات وإذا ما وُجّهت هذه الطاقات توجيهاً سليماً فإنها تتحول إلى قوة قادرة على صنع المعجزات، فكل فكرة صغيرة قد تكون بذرة لحل مشكلة كبيرة وكل مشروع شبابي قد يصبح نواة لنهضة وطن بأكمله.
في خاتمة الموضوع يمكن القول إنّ الأفكار الشبابية المُتعلمة ليست مجرد خواطر عابرة وإنما طاقة متجددة تحمل في طياتها بذور الأمل والبناء، وبالأفكار البناءة تستطيع الأمم أن ترسم قواعد حضارتها وبسواعد شبابها المتعلم تُشيَّد أركان هذه الحضارة على أسس راسخة، إنّ المجتمعات التي تمنح الفرصة لشبابها وتستمع إلى رؤاهم هي التي تكتب فصول مستقبلها بمداد العطاء والإبداع، فالشباب هم النور الذي يضيء درب التقدم واليد التي تبني والعقل الذي يبتكر ولا مستقبل لأي أمة دونهم.