يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس؛ فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس" ابن القيم.
*****
قبل مدة كنت أتابع ندوة يتم بثها عبر وسائل التواصل، وأثناء حديث أحد المشاركين قاطعه مدير الندوة قائلًا لا داعي لهذا المسار أرجو ألا تُكمله، والحجة هنا لمدير الندوة أن المسار الذي تم الحديث عنه هو مسار جدلي وتدور حوله نقاشات وحوارات وجدالات تبدأ ولا تنتهي وقد لا تصل في أغلب الأحيان إلى اتفاق في الفهم!
هنا لنتساءل ما هو الحدث الذي ينبغي ألا تستدرجنا مساراته للتأريخ والتوثيق، ألسنا نتحدث عن تاريخ، هذا هو مسار من مساراته، صحيح قد توجد أحداث لن يفيد ذكرها لكنها تاريخ، وتاريخ واقعي وحاصل وحادث، هنا أيضًا لنتحدث بصراحة أكثر هل هناك علاقة بين الستر أو المصلحة العامة وكتابة التاريخ؟
ألم تقرأ أو تسمع جملة: "ليس كل ما يُعرف يُقال"؟ يأتي أحد المجتهدين ويُحاججُك بأنه تاريخ حدث، طيب وما هي الفائدة من ذكره، سأقلب السؤال لمنحى آخر: ألا ترى في ذكره فتحا لجروح التأمت مع مرور الزمن، هنا يجرنا السياق إلى كلمة وقاحة. نعم هو تاريخ، لكن في ذكره وقاحة ودناءة، ألم يأمرنا رب العزة والجلالة بالستر، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف بما معناه بأن من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله يوم القيامة.
هناك أحداث تاريخية حدثت لكن مكانها سجلات وأرشيف التحقيق الجنائي وليس كتب التاريخ، حتى في مكارم الأخلاق والمروءة ليس كل شيء يذكر أو يقال.
التاريخ يصنعه الإنسان والإنسان- أي إنسان- ليس منزهًا عن سوء، سوى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك نعم توجد وقائع تاريخية لكن لا ذكرها سيفيد، ولا تأريخها سينفع، ولا لها تأثير على مواقع أو ارتباطات تاريخية، إذن لماذا الحث على ذكرها وتوثيقها بحجة أن التاريخ وثيقة للزمن!
المؤرخ الحقيقي يبتعد عن سفاسف الأمور ويكتب ما ينفع ويهجر ما يضر، لا شك أن هناك أمورًا قد تجبرك سياقات معينة للإشارة إليها، فإذا ولا بُد من ذلك، فليكُن الاكتفاء بعنوان يحمل فهمًا قابلًا لعدة تفسيرات وكفى الله المؤمنين القتال.
كاتب التاريخ عليه أن يكون إنسانا قبل أي شيء، نشر الإساءة ليس تأريخا بل وقاحة، ونشر الجدليات المتقاطِعة حولها الروايات ليس تميزًا، قاعدة: قل خيرًا أو أصمت يفترض هي السائدة، هنا لن أذكر لك أمثلة حتى لا أقع في سوء أو محظور، القضية ليست خوف أو جبن؛ بل هي قصة سامية تحمل مكارم الأخلاق، أوليس الستر من أكرم المكارم، كاتب التاريخ هو شخصية تحمل هموم الأمة ويكتب ما ينفع ويستشرف بكتاباته المستقبل ليقدم ما يفيد، وليس كاتبا في صحافة صفراء اتخذت من الفضائح سياقًا لمنتجاتها المقروءة!
أيضا وهذا مهم جدا كثيرا من الأحداث التي تحمل في طياتها جدل هي في الحقيقة ناقصة المعلومات، وقد تحمل أسرارا كبيرة لم تنشر ولم تعرف ولم يتم التطرق لها أو حتى توقعها، لذلك حتى العامة من الناس أن وصلك أي علم به أمر اشتباه فوقفه عندك، فليس كل ما يُعرف يُقال، سمعة الناس ليست سلعة قابلة للبيع والشراء والسوم، التاريخ أحيانا أنسانا يمشي على قدميه، فأما أن تسلم عليه سلاما يليق أو صد عنه.
كتابة التاريخ مسؤولية أخلاقية قبل أي شيء، يتحرى بها الكاتب المصادر والمراجع الموثوقة، ويبتعد عما يثير الجدل ولا يُفيد الأمة، ويكتب ما يجعل الإنسان يتفكر في ماضيه، ليفيده بحاضره، ويستشرف به آفاق المستقبل.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" (المائدة: 101).