أنيسة بنت إبراهيم الهوتية
ألا تَذَكَّرتَ طه حينَ أبصَرْنا // نورَ الهُدى فَسَرى في القلبِ والتَزَما
يا أكرمَ الخَلقِ، يا مَن عزَّ مُرتَقِيًا // حتى علا فوقَ كلِّ الخَلقِ واحتَشَما
يا مَن بُعِثتَ هُدىً للنَّاسِ قاطبَةً // فجئتَ رحمةَ ربِّ العرشِ مُنعَما
أنتَ الشفيعُ إذا ما الخَلقُ قد وُقِفوا // للحَشرِ، والناسُ في أهوالِها ازدَحَما
أنتَ الأمينُ، ومن في صِدقِهِ ثِقَةٌ // ومن سِواهُ رأى الآمالَ منهزِما
ما مسَّ قلبًا سِوى أحييتَ فطرتَهُ // وعادَ بعدَ ضَلالِ البُعدِ مُلتَزِما
يا رحمةً عمَّتِ الأكوانَ قاطبَةً // فجئتَ للبائسينَ العُزلِ مُبتَسِما
أكرِمْ بوجهِكَ إذ تُجلى البشائرُ في // يومٍ عظيمٍ غدا للخلقِ محتَدَما
أنتَ الذي بشَّرتْ بكَ الأنبياءُ هُدىً // ومَن رآكَ رأى نورًا وقد عَلَما
أنتَ السراجُ الذي قد أشرقتْ بهِ // دنيا البريَّةِ بعدَ الجَهلِ والعَدَما
ما ضلَّ قلبُكَ بل زادَ اليقينُ بهِ // فكنتَ في نَصْرِ دِينِ اللهِ مُلتَزِما
فالحمدُ لله إذ أعطاكَ منزلةً // فيها النجاةُ، وفيها الخيرُ مُغتنَما
صلّى عليكَ إلهُ العرشِ ما طَلَعَتْ // شمسٌ، وما سبَّحتْ بالحقِّ أُمَما
صلّى عليكَ ملائِكُ الله قاطبَةً // والأنبياءُ، ومن في الأرضِ قد سلما
يا ربِّ فاجعل لنا حظًّا بشفاعتِهِ // يومَ اللقاءِ إذا ما الحَشرُ قد عَظُما
ربما أكونُ كاتبةً، قاصَّة، روائية لكنني لست شاعرة، إلّا أنني أحيانًا أشعر بصدى الكلمات الشعرية تهمس لي؛ فأدوِّنُها كما دوَّنتُ هذه الأبيات المنسوبة إلى بحر البسيط، وزن "مستفعلنٍ فاعلنٍ مستفعلنٍ فعلنْ"، وقافية موحَّدة (… ما)، وكأنني كتبتها امتدادًا لقصيدة الإمام البوصيري الشهيرة "البردة"، مملؤةً بشعور الحب والافتخار برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتصف النور الذي أضاء الكون وقلوب المؤمنين بمجيئه.
مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، لا أراه مجرد شخصية تاريخية؛ بل نورٌ يسري في القلوب، وهُدى يُتَّبع، وحياة تُحيا بالأخلاق والرحمة. لقد جمع بين كل مكارم الأخلاق دون ابتذال ولا تطفيف.
من كمُحمَّد؟! يُعزِّي طفلًا صغيرًا على وفاة عصفوره!
من كمُحمَّد؟! يطمئن على جاره اليهودي المؤذي، حين توقف عن أذاه!
من كمُحمَّد! حين كسرت أم المؤمنين عائشة صحن ضرتها بالطعام الذي بعثته إليه وهو في بيتها، لملم الطعام بابتسامة، وقال: غارت أُمُّكم.. ثم قال لها: طعام بطعام، وصحن بصحن.
من كمُحمَّد؟! يخرج مع زوجته ليتمشيا مساءً بعد الغروب، فيتسابق معها وتفوز عليه، ثم بعد فترة حين يزيد وزنها قليلًا يفوز عليها، ثم يقول: هذه بتلك يا عائش.
من كمُحمَّد؟! في عدله بين زوجاته، وأصحابه، وأمته.
مُحمَّد صلى الله عليه وسلم مثالٌ للعدل والإنصاف، فلا فرق في دين مُحمَّد بين غني وفقير، قوي وضعيف؛ بل التقوى والحق ميزانه. والعفو والرحمة عنوانه.
ولو نذكر مُحمَّد ينتهي الدهر ولا ينتهي الكلام؛ فالكلمات في وصف مُحمَّد لا تنتهي وإن كان حبرها مياه البحار والمحيطات، وأقلامها أشجار الأرض، ودفاترها صفحات السماء.
ورغم أن جميع المسلمين والمؤمنين قرأوا سيرته صلى الله عليه وسلم، ولكن ما يزال النسيان يلعب دوره في مراكز التثبيت عند الإنسان ويحتاج أن يُذكر، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الطور: 55).. وإلّا لِمَا أمر الله البشر بالكتابة والتدوين للمعاملات، وتكرار العبادات، فإنها كمثل الاغتسال المستمر والعلاج الذي يقي الإنسان من نسيان اساسيات العبادة في الدين المُحمَّدي.
وهذا ما كان سلفُنا الصالح يفعله في الجلسات التأملية التي لا يكون فيها ذكر شيء سوى السيرة المُحمَّدية المُصاحِبة مع قراءة الأناشيد بمقامات وألحان معينة والصلوات الإبراهيمية، لكل من عشق مُحمَّد وافتخر به نبيًا ورسولًا.
وأنا على دين مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وأفتخرُ أن أكون.